الأربعاء، 19 مارس 2008

أوا دير النيا




أوا دير النية

كم كنت مغفلا حين تناسيت دور السكرتيرة في مكاتب المدراء ، تناسيت أنها ذلك الكائن القيم على غربلة الأشياء لحماية القائمين على فاكهة الوقت من شوشرة الأظناء، وان مسؤوليتها الأساسية هي إراحة المسؤولين الذين تشرف على خدمتهم وأن غربلتها الأساسية تقوم على تلطيف ماكان قد خوشنه العساس في الباب الرسمي للإدارة حين يسالك عمن تكون ومن أين أتيت وما علاقتك بالمسؤول وهل تملك صك الوساطة؟
في الحقيقة لم تكن العشر سنوات في الغربة كافية لتنسيني هذه الخصوصية الرائعة التي تتميز بها الإدارات المغربية ، لكن في الحقيقة أيضا ليس الذنب ذنبي بل ذنب وسائل الإعلام الرسمية التي غيرت قناعتي بأن أومن إيمانا تاما بطقوس العهد الجديد، كما اني في زياراتي الكثيرة إلى المغرب ، ومرات عديدة، فوجئت بوزراء العهد الجديد يحاضرون في دور الثقافة العمومية في حضور تام لجمهور يتكون من "الأوباش" كما سماهم العاهل الراحل، كان الذنب إذن ذنبهم الذي جعلني أتأقلم مع العدة الجديدة التي رسمت بحبكة فائقة وجه المغرب الجديد: وزراء المملكة لايكلفون نفسهم عناء التواري خلف متاريس الإدارة كما كان يفعل سابقوهم الذين كنا لانراهم إلا في حفلات التدشين المتمركزة في مدن المغرب، ذلك الذي تعرفونه، أما نحن الذين يجاورون القردة في الأطلس فكنا نراهم فقط من خلال زجاجات السيارة التي تمر قاطعة الشارع الرئيسي للمدينة في سرعة البرق وكان منا الذي يراه يفاخر الآخر بنظرته النسرية الثاقبة.
في سابقة أخيرة، حملني حماسي الغامر بالغرور لمهاتفة الوكالة المغربية لإنعاش الشغل ، ليس لأجل طلب شغل، بل لأجل البحث في سبل التعاون لحل مشاكل العمال الموسميين الذين حظيوا بملامسة اقدامهم بلاد العم خوصي، أقول الحظ لأن الآلاف من الشباب حلموا باجتياز بحر الموت الذي يفصل الشمال بالجنوب ولم يفلحوا،والوكالة هذه، بمسحة ساحر عبقري، تخطت حواجز الجمارك وجدارات الحدود ولعبة التصدي لموج الترحال، تخطت كل ذلك فقط بصك الإجتياز تقدمه لزبائنها في طلبق من ذهب ، فقط بجب أن تلج إلى وكالاتها الخمسين المتوزعة في البلاد بلباس الدربلة ويدين من حديد وبطاقة رسخت فيها هويتك كعامل او فلاح وأن تكون خاليا من فيروس السيدا وفي ربيع الشباب و مهموما ايضا بتربية طفلة او طفل في ربيعه الأول، يكفيك هذا كله لتعمل موسما من الحمل كحد اقصى وتعود إلى بلدك الاصلي شغوفا بشغب طفلك الجميل أو طفلتك المحبوبة وتعانق انتظارات موسم آخر، وعندما تنهي مواسمك الحابلة الاربعة ستنعم بنسيان العهد الجديد في بلدك الأصلي وتودع صنميته الغزيرة بالخرافات السياحية.
مواسم إسبانيا أشبه بمواسم الاولياء الصالحين، فالشفاء المقصود من الاولياء كالشفاء المقصود من الزوايا في إسبانيا، كما ان للزوايا في اختلاف مذاهبها شؤون، للأولياء ايضا معجزاتهم وللوكالة المغربية لإنعاش الشغل معجزاتها أيضا فهي تشفي من كل انواع البطالة و العامل المشترك في كل الزوايا هو النية
دير النيا أوا
من واجبات الزيارة عند الزوايا الطهر من النجاسة كما انها تستحب الحضرة والهرولة وفي حالات كثيرة تستوجب أن يكون المرء هداويا: شعر أشعث مسترسل ودربالة توحي بالعصور الكلدانية وعشق مقاوم لتنتاول "المكروهات"، بصل كث وثوم قارص بلدي وحنظل ودفلة إذا استوجبتهما الضرورة ..
تلك ايضا هي الشروط عند الوكالة إلا ماتعصرن منها
آه ياسادة، ليتني ما تهت..
أوا دير النية
"دير النية أونعس مع الحية" قول مغربي ماثور
في الغرب وعلى الرغم من اني موقن بإغلاق منافذ بيتي، إلا أني لاأنام، كرهت كثيرا ديموقراطيتهم فهي أحيانا تأتي بما لاتشتهيه السفن ، والأولياء فيه لايستقرون على حال، فقد تنعم بنعمة البروك في حضرة المولى هذا العام وعندما يرحل قد تنعم بنقمة المولى الجديد، أما في المغرب، فإنك تتأقلم ويتعافى فيك حب التغيير ، ليس ثمة أجمل من حكم الواحد الأوحد وإذا مات لاقدر الله، وهي سنة الحياة، فللخلف الحظوة في أن يدع حياتنا على عواهنها ، مأخذي الوحيد على السياسين المغاربة أنهم يقحمنونا في انتخابات عبثية ،لاجدوى منها بما أن البيعة هي تقليدنا المتوارث تاريخيا فليحكموا سيطرتهم علينا دون وجل على أن يدخلوننا في لعبة مبتدعة .
ليس هذا ما أردت قوله، بما أن اولياء الزوايا في الغرب يتغيرون على العكس من أوليائنا، فقد تتغير ايضا علاقة الزاوية /الوكالة لاسمح الله، بتغير الأحوال ومن باب النصح فقط أن تتحفظ في إعطاء أرقامها الإستشفائية.
لي قصة ظريفة مع الوكالة، انعمت بالتحدث ست مرات مع إحدى سكريتيراتها دون ان استطيع ان اخدش بصوتي مسامع مسؤوليها ، وفي المرة الاخيرة أمرتني أن اقطع الإتصال لمعاودته مرة أخرى بما يسمح لها بربط الخط مع احدهم و لما قطعت المكالمة دون ان تتم كلامها ولما عاودت المكالمة، خرج صوتها هذه المرة مكشرا محتجة على مقاطعتها واتهمتني بفقدان اللياقة والخلق، والحق يقال خصوصا مع اقتراب عيد المراة الأممي، اعترف بأني لم أكن في منتهى اللياقة، لكنني بعد انهاء المكالمة، دون ان أتكلم مع اي مسؤول، اكتشفت إحدى عبقريات الوكالة التي تطبقها في انعاش الشغل ، كان مركز توزيع المكالمات الهاتفية هو مكتب السكرتيرة وكان كلما ربطت الخط بأحدهم أحالني على مسؤول آخر مدعيا أنه ليس المسؤول على العلاقات الخارجية وعندما انتهيت في الاخير إلى المسؤول المكلف، وبالرغم من أن السكرتيرة ربطت الخط مما يعني أنه موجود رفض ان يحمل السماعة وبدا الهاتف يصدر إلي موسيقاه الجميلة حتى شبعت حين اكتشفت اني ضحية تبذير مالية النقابة التي أستعمل هاتفها ، حينها فقط اكتشفت أن الوكالة أيضا تنعش شغل هواتف وكالات الإتصال، عندها استيقظت من غفوتي واعتبرت في نفسي ، أن مسؤولي الوكالة المغربية لإنعاش الشغل يفعلون ولا يتكلمون..
إوا دير النية.
عذري مازغ

ليست هناك تعليقات: