الأحد، 22 نوفمبر 2009

عندما يطفو علينا نهيق العلماء

عندما يطفو علينا نهيق العلماء
1
في صباح باكر ذات يوم استفقت على انغام نهيق عالم في الدين كان يفسر جملة من النص القرآني لمدة 40 دقيقة على أقل تقدير, كان العالم الزائف قد أفاض واستفاض وعل واستعل واستدل ليثبت فقط, في الرزق, بأن السماء تمطر والأرض تنبت الخيرات (الخلاصة الأولى), انتبهت لأجد صديقي الذي يشاركني في إيواء الشقة موغلا في الإستماع بشكل من الخشوع, فسألته ما إذا لم يفهم ما يقوله هذا الملاك الصباحي الراعد, فقال بأنه أحسن ما يمكن أن يبدأ به المرء يومه هو الذكر الحكيم , فقلت له : "لمذا لا تأخذ الكتاب الحكيم وتقرأه حسا بدل أن تمطرني بهذا الكابوس الصباحي؟"
لاح لي أمر آخر , في أربعين دقيقة كنا نشرح فيها للعمال المهاجرين حقوقهم الوضيعة بالتمام في دولة يتناوب على ركابها حزبين يتناطحان ليل نهار حول من يرضي أكثر شركاتها المفلسة, على الأقل يمكن أن نكلمهم عن مدونة الشغل المعمول بها في الإقليم الذي ينتمون إليه بكل التفصيل الواجب, لكن ما أن تنهي محاضرتك في تجمع عمالي حتى يمطرك العمال بالأسئلة حول ما تقدمت به كما لو أنهم لم يستفيدوا شيئا من زعيقك النقابي, لتعيد قيء ما تفضلت به تماما كما هذا العالم الصباحي الذي استبحر فيما بين السماء والأرض من الأرزاق, ليستخلص كرم المولى,( الخلاصة الثانية من محاضرته.) بكل هذا الثمن الزمني وهذا الفيض التفسيري وهذا الجهد المالي الذي تبدله الدولة, سيستنتج المتلقي خلاصتين هي لديه بمثابة الوعي الفطري في مجمل كينونته, على الأقل يعرفها بالتمام العامل في المزرعة والفلاح, ألا يطرح هذا إشكالا في تلقي المعرفة لدى جمهورنا في الوطن العربي؟ بعبارة أخرى, أليس هذا استنزاف للوقت في أن يطل عليك ببغاء بليد في الصباح الباكر ليعيد علينا هذه الأسطوانة, التي تدخل في الوعي الفطري للناس؟ وماذا لو أن الدولة استنادا إلى شرعنة كينونتها المقيتة تتكرم في فضائياتها المتنوعة لتشرح للناس غائطها من القوانين الوضعية التي تسننها لخلق مواطن يعرف حدوده الحمراء وخطوطه الخضراء مما يسمح به هراؤها الحقوقي بدل هذا القصف العشوائي بجحيم الآخرة في كل صباح. ماذا لو تكرمت بشرح حدود جنتها كما حدود جهنمها هي بدل تسخير شرطتها وإداراتها هي في استنزافنا كل يوم ؟ وفي كل مساء أو كل فجر تلقي على مسامعنا كل هذا الوعيد وهذا النهيق من الأإمة المكرمة بنور هذا الشهيق المتلفز,هل مازال الناس يأمنون حقا مثل هذه الاهوال الخرافية على حساب قضاياهم اليومية؟

2

هذه الدولة , هذه الكثلة الكلية أو النفس الكلية بتعبير افلاطون, هل ستنال جزاءها في الآخرة أم أنها ستتنصل من أجزائها وأطراف جسدها على غرار التقطيع الطبي للأطراف الخبيثة؟ بعبارة أخرى, ودرءا للعبة الألفاظ هذه في السياق, أليس لهذا التهويل بالآخرة في وجه الجمهور انطلاء يسري أيضا على الدولة بما هي العقل المحرك في صيرورة المجتمع ويكون جزاؤها في الآخرة جزاء كل الامة فتريح الأفراد والنفوس من هذا التهويل القاسي؟
من الواضح جدا أن النظام في دولة عربية عظيمة بقياس التهويل الإعلامي الذي يؤله القائد وعشيرته ومراهقيه من المتسلطين, أمراء كانوا أو صعاليك البلاط بما فيهم ( وبتعبير المثل الأمازيغي المعروف «ميس عمس أمكسا القايد» إبن عم راعي القائد) ستعجبه مثل هذه الصياغة , بقول مستحسن, سيكون العقاب الذي ينزله القائد الحكيم على جماهير دولته وشعبه مستباحا, كون الفرد, في سياق خطاياه سيؤدي حتما إلى إغراق الجميع في عقاب الآخرة, وهو تاليا التعبير الذي يعتمده نهاق الفكر الديني عندما يقرون ان الوالي هو هو ولي الله على ارضه وطاعته واجبة, في السياق ذاته, فإن التبجيح بقدرة الله في استرزاق أرزاق الناس من خلال علاقة الأرض بالسماء هي بديهية تقوم على نفي فعل الناس في إنتاج قوتهم وايضا في إنتاج أسباب عيشهم, فالخروج عن هذه القاعدة من البداهة, « إن الله يرزقكم من السماء ومن الارض» فهي في التفسير, في نهاق العالم, يسبق فيها فعل السماء فعل الأرض, نفيا فيه لفعل الناس في الارض, ما يعطي انطباعا صامكا في جدارية الذهن, أن الارزاق تاتي اولا من السماء, ولا مجال آخر غير التعويل على حكم العطاء, تمجيدا لقوة الله بدل قوة الفعل او قوة العمل, إن العالم لا ينفي ضمنيا هذه القوة من العمل, لكن ينفيها عمليا من خلال تسخير الطبيعة لفضل/لعمل الناس استجابة لفضل الله عليهم, وفي سياق علم العالم, يفعل الله ذلك طمعا في حمد الناس له هو, وجزاء لهم هم في الدنيا من خلال عملية التسخير, وفي الآخرة من خلال عملية الجزاء, تسخيرا للجنة لهم او للنار, إنه التسخير قوة تتشخصن وهما من خلال فعل السماء انتهاكا لقاعدة الفعل والقوة التي تتطلبها نمطية الحياة في الارض, لكن العالم حين يتكلم عن السماء الممطرة, لا يتكلم عنها على أنها ليست في آخر المطاف سوى جزء من الارض ذاتها وان المسالة لاتعدوا سوى أبجدية متخلفة من ابجديات الجاذبية التي بها تتحدد السماء فوقا والارض تحتا على سبيل النعت النسبي فقط , من حيث ان الأرض هي هذا الكل الذي يتضمن الكتلة الصخرية والمائية والجوية التي تتفاعل فيما بينها من خلال قوانين تدخل في كنه وجدانها الحقيقي, وان السماء فيما يتجاوز الحيز الارضي تدخل في نطاق العلم الكوسموسي من حيث قد تصبح الأرض فوقا من موقع كوني معين والموقع هذا تحتا . يبدو الله من خلال تسخيره السماء والأرض في استنبات أرزاق الناس بائع لقوة عمل مطلقة تستجيب قيمة أجرية مطلقة أيضا تتخلل من خلال علاقة الثواب, في الدنيا هي علاقة تبادلية تحث على العمل مقابل العطاء ( إعمل لدنياك كانك تعيش أبدا) وفي الآخرة عطاء أبدي يتحدد بالبلاء الدنيوي من خلال العمل فيها للآخرة (اعمل لآخرتك كأنك ستموت غدا) لكن لا أحد يقول لنا صراحة مالحكمة في هذا الفيض المجاني من عند الله حينما يكون معلوما ان استلذاذ مقيمات الجنة أو استئلام مقيمات الجحيم تقاس من خلال معانات العيش الدنيوي؟ فالوعد والوعيد هذا يستند في تعليله إلى نسب اللذة والألم المعاشان في الدنيا في سياق تعاقبهما على الأفراد, وهي في الآخرة قيم مطلقة لا معنى لها إطلاقا, إذ أن الذي سيعيش على الألم سيحياه بالمطلق والعكس صحيح بمعنى أنه لا يستقيم أي معنى للألم أو للذة في الآخرة, إن المؤمن بالله يستوي عنده الجزاء فاللذة محمودة عنده كما الالم لانهما سنن حكمته من عنده (فالنار احيانا تصلح لكي الخبيث من الجسد) إنما الغشاوة الدينية لا تقوم في الحقيقة إلا على أساس حقيقة أخرى هي استبلاد العقل العربي من خلال تحنيط مقيمات الحياة في مطلق تستوي فيه التناقضات وهي تقوم على ذلك محمولة إيجابا وسلبا من خلال المعاش دنيويا نعيا بالموت في النار من خلال السادية الحاكمية الدنيوية (فالحاكم يضحك مرتين حين يقتل معارضه,مرة حين يرتاح من محاربته ومرة حين يكفر الناس فيه) وبشيرا بالولادة في الجنة سدة الموالاة في الدنيا ( الحاكم يأسف لموت مؤيده ويبشر الناس بموقعه في الجنة) بهكذا يتوزع الموت طبقيا.

3

إن القرآن لا يسمع إليه صراحة إلا في ساعات التهويل الجنائزي, فيما عدا ذلك, ليس سوى طقس للموالات, يستسمعه المرء لاستثباب آيات انجرافه في قوة التيار, فأي القرآنات تسري في عروق التيار الجارف ؟ قرآن علي, أم قرآن عثمان أم قرأن الحجاج بن يوسف؟

4

إن قوة تحضر الإنسان يتجلى نفاذها المحكم في أن للجريمة دوافع اجتماعية, نفسية, اقتصادية وسيايسة لا يتحكم فيها المجرم, لذلك كان من الظلم قتله نتيجة دوافع تسبق إرادته. أليست كثيرة هي المجتمعات الإنسانية التي استبعدت عقوبة الإعدام؟ من المحتمل جدا أن يفتقد, في إرادة الله, هذه القوة من التحضر, فهو أغلظ بوعيده في استسعار الجحيم وهو العليم بمكنونات النفس, فهل هذه أيضا حكمة من حكمه؟
الدول العربية كلية تقيم عقوبة الإعدام!

5

تستصيغ المجتمعات العربية كل تفاهات العالم إلا تفاهات حكامها الموعظون,القائمون بالوجاهة, فهي تفتخر بالتقليد الأبدي لحكمها وتعلنه ضامن وحدتها الموغلة بالموالات, إنها موعظة الإفتخار بالفقر والتخلف والجهل ونكران الذات, فما أجملها وحدها هذه التفاهة الأخيرة: أن يعلن المرء انتحاره وموته سبيلا لفحولة مثل هذه الوضاعة .

6

إنشتاين, ذلك الفيزيائي المعروف, عندما مات, لم يترك لنا من سلالته او نسله عبقريا مثله, لم أعرف أيضا من عباقرة العرب من فيهم أولج عبقريته في نسله, إلا الحكام العرب, أبناؤهم عباقرة الساسة من بعدهم, عبقرية بالوراثة, اليست هذه أوديسيا العرب؟
إن قشلا ت الجيوش العربية ليست سوى مخيمات الجوع الأبدي, فأي الجيوش هذه مؤتمنة على حدودنا؟ هل نحن حقا في مأمن من حدودنا والغاصب يتعشى على كل ما في ارضنا؟
يحميه الجند هذا منا
هل نحن حقا في قشلتنا؟
والعولمة سوقنا
بأي وجه هي سوقنا؟
العامل مستلب في قوته, بضاعة هو, هي أرخص من الهواء
والشاري مواطن كسيح , يسابق صبره ولا شيء تحمله الأيام إليه
والناس تحمد الموالي في بلاطاتها الزخرفية
الأزمة مستشرية فينا ولا أزمة,
«ضع رأسك وسط الرؤوس ونادي قطاع الرؤوس» (مثل رائج)
غريبة جدا هذه الأسطوانة العربية التي لا تقر بالأزمة, توهم بانها لحن قائم بذاته ومستقلة, فيما هي تلحن أسطوانة العولمة, دأب اللحن الجميل في ان العرف في الأكاديمي أن يكون منحاز, العالم في الإقتصاد, أكاديمي منحاز, فهل يستقيم الفهم بأن الدولة المفعمة بالعولمة هي أيضا دولة منحازة وأكاديمية؟ أليست هذه الأكذوبة لعنة جديدة من لعن العولمة؟
ثمة اعتقاد سائد, أن الشعوب التي استأنست الأزمات لا تشعر بالأزمة, لذلك لماذا لا يخرج إلينا عالم في الإقتصاد ويقول لنا بصريح العبارة, بأن الأزمة في العالم العربي هي أزمة اكاديمية مثلها ليس كباقي الازمات؟
أزمتنا مستقلة ومنحازة كاستقلال الفعل الأكاديمي
يستهويك شطط دولة فقيرة تعين دولة غنية كي تخرج من أزمتها
موقف مقزز يذكرني بأزمنة العبيد, وهل الدولة الفقيرة تملك حقا مالها؟
نحن شعب الله المؤمن من ازمات العالم من حيث يحتضنها, خشوعا, نحمد بلادة اكاديميينا المفعمون بسحر البلاغة, أي شهادة جامعية يحملها اكاديمي يقر بسيادة قاعدة المولى, عالم اقتصاد خبير بوعظ الكهنة الدينيين, يقيم علينا قداس التكبير لإله يحمي شعوبه من نجاسة العولمة على قاعدة التوضؤ.
سنة , بالتيمم
وقبلها النية أو ماشئت
يكفي المرء العاصي أن يتخيل اي عذاب في الآخرة, من منطلق عذابه الدنيوي, تخيلوا كائنا يتألم في دنياه, محكوما بغريزة البقاء حتى ولو ما بعد الطوفان النووي, هل سيسلم في يوم ما بأن موته الحقيقي هي تنشئة أخرى غير هويته الإنسية, كأن يتحول مثلا إلى إشعاع في طوفان نووي؟
إن الإيمان بالآخرة لا يستقيم إلا على قاعدة الإيمان بالله, والعكس بالعكس أيضا صحيح, إن قاعدة الإشراف الإداري على عملية الحشر تقتضي فيما تقتضيه, مشرفا تفترض فيه النزاهة الأبدية ومستخدمين كما الملائكة التي دورها هو تحضير الملفات والمحاضر وتطبيق الأوامر, فهل في النزاهة الأبدية مايديم الألم الابدي لأهل الجحيم والسعادة الأبدية لأهل الجنة بما يعطي انطباعا بأن الله, من خلال عملية الكينونة هو في التحليل الأخير خادم مطيع لأهل الأرض في الآخرة, أليست هذه مازوشية أبدية مقابل سادية دنيوية فانية؟ أليس هذا تشريعا بلاطيا كما هو في الدساتير العربية ؟
إذا كان الله خادما مطيعا بهذا الشكل فكيف يكون المواطن ؟ سيكون حتما مفطونا بالطاعة الأبدية, سيكون سليل طاعة يورثها لنسله.
وهل تقبل كرامة العرب خادما مطيعا إلى الأبد؟

7

عندما يموت إله التوحيد فينا, تبقى في الصورة وحدها جلية, إلهة هذا الشتات العربي , إنها الرأسمالية المتعددة الجنسيات , عندما يستشعرها الناس في النفوس, إذ ذاك يمكن التحدث عن نهضة عربية
إنه العسر في أن تهضم الشعوب انتقالها من خرافة الدين إلى الوعي بالوجود تحت خرافة الراسمالية وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

عذري مازغ في ‏22‏/11‏/2009



ليست هناك تعليقات: