الخميس، 29 أبريل 2010

الحكومة المغربية وقضايا الهجرة

المهاجر المؤهل: يحمل تجربته العلمية أو التقنية للبلد الأصل، كم هي رائعة هذه الأكذوبة، يحمل تجربة ما ولا يحمل وعيا ماآخر ؟( تجربة اخرى على مستوى الحقوق الديموقراطية مثلا)، لكن ما الحاجة إلى ذلك مادام يحمل تأهيلا ورأسمالاـ علفا "لبقرة الوطن"، استثماره كيف يكون؟ لا أدري، الله أعلم.
بعض الخبراء في سياسية الهجرة المغربية، يحملون ملفات ودراسات تشحم هذا النهوض الإصلاحي على قدم وساق، مضمونه:" تعبئة الكفاءات المؤهلة للمغاربة بالخارج"، لذلك يسافرون كثيرا ليلتقوا جمعيات تؤطر المهاجرين، قصد "إصلاح التعاون مع المهاجرين"، الخلاصة: استثناء خاص، يا لحظ المهاجرين...
إضافة إلى ما يطرب الحكومة، يحمل المهاجرون حساسية مفرطة أيضا تجاه الخدمات، ليس فقط الإدارية منها، بل كل ما يمت بصلة إلى كل الخدمات بدءا من العلاقات الإجتماعية العادية: في النقل، في المقهى، في الأسواق، في المستشفيات، في الجمارك، بعبارة كل الخدمات، ليست المشكلة فقط في "تيسير المساطر القانونية لجلب..." بل المشكلة في البنية الخدماتية بالمغرب، إن خطاب التعامل الخاص للحكومة المغربية مع المهاجرين، في بنائه التمايزي، حيث المهاجر بشكل عام يختزل في رقم الإدخار ثم بعد ذلك يصبح في تعامل الحكومة مهاجر خاص ذي "مؤهلات"، إنه خطاب طبقي عاري من مضمونه الوطني الذي فيه يستشعر المرء انتماءه.
تعتبر خطابات مثل:" إدماج المهاجر في التنمية المستديمة، تيسير المساطر..، هجرة الكفاءات التي تستقطبها الدول الصناعية" هي خطابات تنم عن انفصام في الرؤية للمشكلة بشكل عام، فهي من جهة ترنو إلى تشجيع مساهمة المهاجرين في تلك التنمية، تعكس اتجاه حل العراقيل البيروقراطية التي تعيق ذلك، ومن جهة اخرى تصيغ حلولا ترقيعية تعرقل في الحقيقة مضمون تلك المساهمة، من منطلق تعاملها مع  ادخارات المهاجرين من جهة ومن جهة أخرى، في تصفية أجواء الإستثمار، إن مضمون المعاملة الخاصة تجاه هذه الفئة يعكس بجلاء البيئة العامة وفوضى التسيير انطلاقا من أنه لا يمكن أن تكون هناك معالجة استثنائية وسط بيئة فاسدة، في أحسن الاحول سيكون هناك ادماج لهذه الفئة في هذا الفساد الإستثنائي وهي عملية فاسدة من منطلقاتها، لأن حل المعضلة أساسا هو حل لها من موقع حل الإشكالات المطروحة في الوطن بكل مكوناته أي خلق بيئة ديموقراطية لا استثناءات فيها.
حين تتكلم الحكومة عن مساهمات المهاجرين، طبعا تتكلم عن أرقام إجمالية، لكن حين تأتي إلى رسم بياناتها، تتكلم عن نوع محدد من المهاجرين هو أس توجهها السياسي، دعونا نطرح مثلا هذا السؤال: ما هو حجم ادخار هذا النوع المحدد وما هو حجم إدخار ذاك النوع الآخر من المعادلة؟. بالطبع ليست هناك أجوبة على مثل هذا التساؤل ﻷنه ببساطة هناك تمايز بين المهاجر العابر(الغير مؤهل) الذي يستقبل بمهرجانات الخلاعة على إقاعات النص المغربي(مؤخرة الحاجة والشيخة) والمهاجر "المؤهل" .
تبرز الحكومة المغربية تخوفاتها العميقة على سياسية الدول الصناعية التي تقوم على جلب الكفاءات إليها بدعوى أنها تساهم في إفقار المغرب من الطاقات الخلاقة، يبدو مثل هذا الخطاب مقنعا لو أنها مثلا حلت معضلة هذه الكفاءات المعطلة في المغرب، لو عملت على ذلك لكان لنا أن نتفهم هذا الحرص الكبير الذي تتضمنه تقاريرها، لكن على العكس من ذلك نرى أن الحل السحري الذي وجدته في يدها هو إمتاع ساديتها القمعية بإبراز الهراوات في وجه هذه الفئات.
ماهم هؤلائي المهاجرون المؤهلون؟دعونا نطرح بصراحة مثل هذا السؤال، لا ننكر أن من بينهم مؤهلات علمية نالت من حظها في التكوين التكنولوجي والعلمي وما إلى ذلك، لكن هل كلهم رأسماليون؟ بسؤال آخر : هل تقبل الشركات المغربية تشغيل هؤلاء المهاجرين في شركاتها ليستفيدوا من تجاربهم أم فقط الراسماليون منهم؟ لا شك أن السؤال يتضمن جوابه، ومن منطلق تواضعي المعرفي، أعترف أيضا أنه ليس سؤالا علميا، بل هو سؤال مستفز من منطلق أننا نعرف جيدا من هم المهاجرون المؤهلون: هم بعض الرأسماليون الذين هم في حاجةإلى إضفاء الشرعية على ممتلكاتهم، ولنا عودة إلى موضوعهم في مقال آخر.
ختاما لا يمكن الإستفادة من المهاجرين في ضوء أوضاع تتسم بالفساد، والإستثناء في خطاب الحكومة نحو المهاجرين هو طعم مر للإنخراط في هذه البيئة الفاسدة التي تعرقل التنمية الحقيقية وتضع المغرب خارج التاريخ، مغرب لا يحترم الحد الأدنى من الأجور الذي يسنه، ولا يحترم قانون الشغل الذي سنه برغم تفاهته، مغرب يستقبل الإستثمارات التي تنهك اقتصاده، ومغرب يضع أجهزته القمعية في خدمة الباطرونا، مغرب بحكومة إمبريالية هو مغرب بحكومة دون شرعية.

ليست هناك تعليقات: