الأحد، 18 نوفمبر 2012

الحب الإيكولوجي

الحب الإيكولوجي
تصبو في قارعة الدنيا شمائل الحياة الجديدة، أكاد اشرب من خمرها لولا شتات القلوب حين ينخرها الولاء لبقايا ترسبات قديمة، من منا يذكر ماكانه قبل الميلاد، كان عدما أو في أحسن الأحوال كان جزءا لم يتهيأ بعد للوجود، حين يولد المرأ، يولد فارغ الذاكرة على الرغم من أنه سليل لجينات قديمة ممتدة في تاريخ الوجود، تاريخ فقط يحاكي الوجود، جذور سلالات متشعبة، في الوجود، المرأ يفكر فقط أنه صبغ يحملها، أنا وريث كل التراكمات البيولوجية المتعددة، وريث كينونة ملهمة بكل آيات التلاقي، وريث كل عهرتاريخي، لذلك تكون "الانا"أنا أحمل في وجودي كل ماهو إنساني، تصبح ايضا أنا أحمل في وجودي كل سمات العهر، وإذا تكلمنا بلغة دقيقة جدا، يمكن استخلاص نمط جديد في القول قديم قدم الجنس البشري، نمط من التفكير هو: ليس هناك في الزواج الرسمي ما يمكن قوله سوى أنه نظام غبي للحفاظ على نوع معين من البشر، بشر نموذجي مخالف لسنة الحياة، من منا لم يمارس البغاء؟؟ وهل في الحب الحقيقي للأفراد، في البغاء مثلا، يمكن الحديث عن الحب الأريستوقراطي او العشق الأفلاطوني، إن أفلاطون اللعين كان يعشق حلما لم يتحقق له، ولأنه وليد إحباط قاتل، كان يعشق وهما طبقيا رأى فيه كل الوجود، من يكبح نشوة الجنس ليصبها وفقا لمبتغاه، لإرادته الجافة، لموروثه النوعي الذي يريد تحقيقه، وحين لا يوجد هذا النموذج، حين لا يوجد خيار المرء يصبح عاشقا لأنامله، يصبح أفلاطونيا، وبالقدر نفسه، بقوة الإحتمال هذه المرة، يصبح ابا لكل اللقطاء من أبناء العهر في زمن لم يكن للجنس مسمى رائع كمسمى هذا الذي من اختراع عصرنا هذا: تحديد النسل، ماذا يعني تحديد النسل في مجمله؟ يعني تمرين جيد للكبح، يعني شيئا عقلانيا في سياسة النمو الديموغرافي، لكنه يعني ايضا في جانب منه إقصاء لتركة العهر، ويعني في المطاف الأخير نزوعا نحو النوع، مجرد قيم مقبولة ثقافيا، مساندة عميقة لاختيار النوع، أليس الناس في العموم، في الظاهر أيضا، يرفضون أبناء علاقات جنسية غير مشروعة؟، أليس هؤلاء المواليد كانوا نزوة عشق غير أفلاطوني تحديدا، يجب تأمل افلاطون تأملا جيدا، اشهد ببناني أنه كان عاشقا للوهم فقط. وهو جانب يوحي بالإطمئنان، لسير الأمور فقط، يبدي أفلاطون عشقا ميثاليا متميزا، نمط من الوفاء الوهمي، وفاء لامرأة تركته، في الحقيقة كان يعشق امرأة صارت لغيره، امراة كانت لا تشعر بالتناغم تجاهه، إن أفلاطون يدعونا ان نعشق كل ماهو جاف في الحياة، أن نعشق كل أولئك الذين تولوا عنا، حبا ليس متبادلا، اليس هو القائل: " تزوج يابني، فإن ظفرت بزوج فاضل فأنت سعيد، وإن ظفرت بزوج غير فاضلة صرت فيلسوف"وحين صارت الأمور بهذا الشكل المهين لكرامة العشاق الحقيقيين، كان لأفلاطون أن ينشد انشودته في المثل، كان أيضا إن لم يكن عاهرا، كان شاذا جنسيا، أو بلغة مرحة يستطيبها علماء النفس في هذا الزمن: كان كائنا استمنائيا، كان فيلسوفا، وإن لم يكن الأمر هكذا بما انه كان متيما في حب امرأة. فهو كان مثليا أو هو ينتمي إلى أحد فصائلها المتعددة على حد قول ابي نواس: كان ينكح ويستنكح ويرتوي من ذويهما. كان نكاحا مزدوجا.
ليس لدي موقف سلبي من المثلية بقدر ما تفترض الأمور إشارتي هذه.
تغلب في تاريخ الجنس الممارسة غير المشروعة، وهي في الحقيقة كانت الأصل، وباقي النشء، كان خليقة طيبة وناعمة بمواصفات اجتماعية مدللة ومطمئنة برغم انها تخضع في السياق التاريخي إلى طيبة بلغة الإكراه، اقصد اننا لنا أصول عريقة جدا في التاريخ، فنحن ابناء الجواري وسبايا الحروب وكل العاهرات قبل أن تظهر عقاقير الحكمة، لم يحضر فيها وهم الحب الأفلاطوني، بل حضرت فيها لغة القوة والتملك التي يجب أن نجملها بقول عام: الإغتصاب التاريخي أو العهر التاريخي.
من منا ينكر أنه سليل هذا الإغتصاب او سليل هذا العهر؟
وحين لا أحد يستطيع نكرانه بما أنه يستحضر في وعيه تاريخ الإقتتال، دعونا نعترف أننا نحن نسل البشرية بكل تناقضاتها، نحن الباقون الماجدون، نحن هم بقايا هذا التاريخ المفعم بالقوة.
ونحن ايضا أقوياء ببقائنا، لذلك يجب أن نصارع لأجل بقائنا.
في السلم تخصع العلاقات الجنسية للسلم أيضا، تخضع لحرية الطيبوبة الأفلاطونية، تخضع لسير قانون حفظ النوع وفقا للمهيمنين، لينفلت من جديد قانون آخر للعهر: أن تمارس النزوة وفق النمط الأفلاطوني غير المعلن. أن تمارس الجنس وفق ما ترسمه لك دفاتر الآلهة،، أن تمارسه وفق الطيبة النفسية التي يوفرها علماء النفس، الإستمناء بالتحديد، وهو احقر عملية في ممارسة طقوس النسل: إن الحب الحقيقي في الطبيعة البشرية هو الحب الحيواني، هو طقس الإنجاب، وباقي التسميات المنبثقة من تراكم الثقافات يمكن اعتبارها بلغة رومنسية أرستوقراطية، هي الحب الثقافي، "الجنسانية" كما يسميها الكاتب المغربي الدليمي، تبادل مشاعر عاطفية: زقزقة عصافير يسمونها شعرا، هي في جزء منه مستوى مترفع عن الإغتصاب الحربي أو الإغتصاب بالقوة، نوع من التراضي على سبيل ميثاق القوانين، القوانين التي صادقت عليها بالطبع الأغلبية، او ارتضت بها العامة لظروف خاصة في التاريخ، اي تاريخ، أريد أن أقول بأن كل زواج في زمن القوة بشرع أغلبية او ما يقابلها هو من وجهة نظر الطبيعة الفطرية للبشر قانون بفرض القوة، هو قانون القهر الجنسي، هو عهر يتمثل في شكل قانون عام يحتكم إليه المغلوبون على أمرهم، هو عهر النظام العام، وطبيعي جدا أن تحمل مثل هذه الرؤيا نسفا لمواثيق الزواج ولطبيعة بشرية تخضع لنسقية نظامية أيضا: هل الزواج الموثق وفق العهر العام وبدون تراضي، أقصد بدون حب حقيقي، هو زواج شرعي، بلغة أخرى، هل الزواج تحت الإكراه العلني هو بالنسبة للأفراد الذين يعيشونه في العلن هو جواز شرعي؟، أليس مثلا تؤدي حالات الإغتصاب خارج نظام العلاقات الإجتماعية، في الدول العربية مثلا، تؤدي إلى إكراه مزدوج : إما الزواج لمسح العار، أو السجن للمغتصب، إن الذي يحكم هنا هو نظام العهر العام أو نظام العار، تكون الضحية فيه مبتزة مرتين، مرة لأنها اغتصبت من طرف المغتصب ومرة لأنها رهنت حياتها للمغتصب لمسح العار، بينما يقتضي الأمر، جبر العمل المشين وإنصاف الضحية، احترام الإرادة الحرة للأفراد في الحب إحياء للتناغم الكيميائي الطبيعي، أريد ايضا القول: حين أحب امرأة، وحين هي تحبني، فلتذهب مواثيق الشرع إلى الجحيم،، أريد أن احرر بهذا القول الحب باعتباره رباط تناسبي، اندماجي، كميائي خارج عن روابط الإكراهات، ومنه ايضا حب اللحظة التناغمية، وجدير بالقول أني لا أؤسس لحب شرعي طبقي باعتبار الشرع يؤسس لهيمنة طبقية، يؤسس لهيمنة حفظ النوع. أو بلغة فادحة ("مفروشة" باللغة المغربية) حب عنصري طائفي ملبد بكل الأحقاد، بل أؤسس لحب تلقائي هو بطبيعة الأحوال المهيمنة هو ما يسمونه بالعهر. إن ملاحظة جديرة في المجتمع تظهر أن أبناء اللحظة التناغمية، اللقطاء، هم أجمل واكمل واقوى بكثير من ابناء الشرع المدللين، وهي ظاهرة تستحق الدراسة، حيث يبدوا أن الجسم الإنساني المتناغم يعطي أكبر وافضل ما لديه من قوة الإمكان.
أؤسس لحب تناغمي طبيعي خارج قوى الهيمنة وخارج الأعراف. وأعرف مسبقا أن الأفراد سيشكروني كثيرا على جرأتي حتى وإن كانت، خلفياتهم مثقلة بتركة أجيال العهر العام.
الحب شيء تعيشه البشرية في ذاتها، في تناغمها، في روحها، في تناسبها، في كل ما يخلق لهفة اللقاء وكل ما يجعل من الفراق هزة زلزال. وليس حبا يسقى ويغذى بالأسمدة والمنشطات الروحية حيث عمليات تخصيب العقم النسبي في اللحظات الجافة، تلبية لواجب العشرة والفراش
إن الحب هو رغبة في استمرارية التناسل البشري، هو رغبة في التنوع، وليس رغبة في المثل وحفظ النوع. الحب يتشابك كما تتشابك العواطف، هو إكولوجي بطبعه، هو كالخضر والفواكه، خليط تناغمات متعددة في محيط بيئي متعدد التفاعل.
ختاما ترددت كثيرا في نشر هذه الخاطرة التي هي من وحي النوم في سرير المستشفى، حيث كنت أخضع لعملية تهشيم الحصي بالكلية، كانت أشبه بالصداع، وكان المرضى في المستشفى أشبه بالعراة حيث كثيرا ما تنتهك العين خصوصيات الأجساد، فعجبت كثيرا لنظام المستشفى حيث الصحة والحفاظ عليها يرتفع على نمطية الأخلاق العامة


ليست هناك تعليقات: