الأحد، 6 يوليو 2014

تدبير همي


لا أدري هل كان الأمر من وحي زمن المجاعة، كان والدي عاملا بشكل لم نتأثر بالجفاف الذي يهب كالجراد من حين لآخر، لكن كان أيضا هناك وعي همي لديه، والدتي أيضا لم تسلم من هذه الغنة، تأمرك بإتمام خبزك وتمنع رميه لأنه نعمة الله التي لا ترمى، كان الأمر قبل أن تظهر ثقافة الإستهلاك أو قل قد ظهرت بشكل كانت عائلاتنا تبدي الكثير من الممانعة، كان الإشهار مثلا يعد علينا مزايا بعض المنتوجات، لكن وجود جهاز تلفاز واحد في كل قرية، وصعوبة أن تحظى بمكان من كرم الجار الذي يملكه، كنا نحفظ بدون وعي بعض تلك المزايا التي تبخرت مع مرور الوقت، إلا أن نصيبها الأكبر في تلك اللحظة يصب في أمور جميلة، أذكر صديقي حدو كيف خلص إلى اكتشاف عظيم لم ينتبه إليه أغلبنا وهو أمر لم تشر إليه في كل صخبها وصلات الإشهار: لقد أنهينا مرحلة من إبادة أعشاش القمل في رؤوسنا دون وعي بالسبب، وصحيح أن تمضي أمور سنوات برمق البصر لتكتشف بأن هذه الكائنات المصاصة قد نبذت فجاة عن آخرها في كل قمم هاماتنا المنتصبة للشغب، إلا أن حدو كان الوحيد الذي أفطن إلى الأمر وهو يرجعه إلى مسحوق التايد، بعد ذلك تشعبت مملكة المسحوقات بشكل يصعب التمييز بينها: أصبحت للإشهار نعمة واحدة فقط هي نعمة التحفيز بعد أن صارت نقمة على الجميع.
اما والدي فكان أمره غامضا في فطرته التدبيرية، ومن حسن الحظ اننا لم نمت يوما بشكل جماعي، كان لم تظهر بعد بعض الفيروسات المخيفة كما الآن، أذكر أن دجاج خمنا أصيب مرة بمرض غريب، ملأت حبوب حمراء كل رؤوسها، بعضها ابيضت عيونهم، ومع ذلك لم ينتبه والدي إلى أن الأمر خطير جدا كما الآن، إلتجأ إلى خبرته البيطرية باكتشاف رخيص ومتوفر لعلاج تلك الأمراض، وحين يكون المرض قد أخذ منها يذبحها على الفور ونأكلها بدون هواجس قاتمة كالتي تبعثها الآن محطات العالم.. كان يغطس رؤوسها في سائل الجافيل، وكان طبيعيا أن اللاتي لم ياخذ منها المرض مقتلها تشفى.. أما اللاتي تبيض عيونها فكنا نفترسها لأنها من نعم الله.. الإهداء إلى الصديقة التي تكره القصص القصيرة ... الصديقة العزيز ماماس امرير

ليست هناك تعليقات: