الأحد، 15 يوليو 2012

لقاء مع بيكاسو

في بلاد دون كيخوتي لا شيء مستحيل، كل شيء يستحق ان نقف له بالتعجب العريض، ذلك التعجب المثير جدا، حيث تتكشر ملامحك بشكل تبدو أساريرك كما لو أصيبت بضربة شمس، يستقبلك النادل في الصباح بابتسامة عشماء تشبه السيارة الملعونة عندنا، ابتسامة متصنعة على شكل حرف ميم بالأحمر اللاتيني، ميم متثائب كالعقرب ومتمدد بشكل يشبه حمارا مثقلا بالأحجار، تجلس إلى طاولة مصفحة بالزجاج لتعد دقات قلبك المتوهج بالأمل فيما جيرانك على الطاولة المجاورة يتناقشون بتطير خبر الأمس: هزيمة تاريخية لبرشلونة امام فريق ثابت في القسم الثاني، يالها من قساوة فجة.
انظر إلى الصورة العريضة في ساحة الحائط الأبيض، تتكشر ابتسامتي أنا الآخر من جمرة الصورة، تنهرني زميلتي وتسألني عما يضحكني، فأجيبها بأنها الصورة في الحائط، الإبتسامة الشبقية لمارلين مونرو، الإرث الحضاري لهذه المماليك العملاقة، تسخر مني زميلتي وتأخذني على صهوة ملامتها الفجة: «يا لهول الرجال، تأخذهم صورة امراة جامدة فيما هم يتنكرون لحضور امراة حية، ليس من اللياقة التبسم لامراة جدارية وانت تجالس امراة حقيقية».لكن زميلتي هذه رغم انها محقة إلى درجة ما، هي لا تعرف ان رجلا مثلي لا طعم له في أذواقه، تأخذه مارلين الجدارية على التبسم، وينزع أذنه للتنصت خصام بارشلونة المتطير على صبح قهوتنا، هذا الرجل هو حقا رجل ميت الإحساس.
سألتها : انت، هل لديك إحساس؟
أجابت: لا ادري!، شايهم ليس كشاينا
كانت زميلتي دقيقة بتفاصيل الأشياء، من اللون إلى الطعم إلى الرائحة إلى تفاصيل الحركات، أخبرتني قبلا عندما تذوقت جرعة من كأسي ان قهوتهم أيضا ليست كقهوتنا (تعني قهوة بلدها الشمالي)، ولا ادري مالذي يحصل لهذه القهوة التي هي اصلا من الجنوب، لكنها يتغير طعمها كلما اتجهنا نحو الشمال. أدخلت إيزابيل إلى دواخلي بنية من الشكوك، وأنا المدمن على شرب البن منذ طفولتي لم اكتشف بعد أني مغشوش فيه على كل الطول، هذه الشحنة الهائلة من الشكوك دفعتني لاكتشاف فواصل الطبخ عبر أحاديث إيزا التي لا تنتهي إلا عند النوم، وها أنا الآن على الأقل، قد تعلمت درسين: الشاي ليس شايا حقيقيا إلا في الشمال والبن ايضا كذلك، والدرس الثاني انني الآن ارتشف وإياها في هذه البلاد المطلة على الجنوب سائلا من سوائل النادل اللعين الذي يبتسم كالعقرب، نرتشفها وكلي يقين بأن زميلتي محقة في ان البن والشاي الذي شربناه ليسا سوى سوائل للترياق، وهاأنا الآن تحملني نباهة إيزا إلى أن اتذكر الآن، أنه كان لدي نفس الإنطباع عندما قدمت من الجنوب المتخلف، لكن بخلاف عجيب، فأنا لم أقل بأن قهوتهم ليست كقهوتنا، بل قلت إن قهوتهم احسن من قهوتنا، ولا غرابة في الأمر فالمشاعر والأذواق تختلف من الجنوب إلى الشمال، ويبدوانها قاعدة عامة يختلف الذوق فيها بدرجة الموقع من الشمال وأذكر أننا في الجنوب كنا نتسابق لاقتناء منتوجاتهم المستحسنة حتى لو كانت قد صنعت بمصانع الدار البيضاء، فهي تحمل بروك الحظ إلينا: فهي سلع مغربية نالت حظ الفيزا، دخلت أوربا، وعادت منها تحمل رائحة الحضارة: علامة مارلين. وأذكر أيضا صديقي الإيطالي الذي جاء إلينا في زيارة عمل يريد الإستفادة من تجربتنا الهائلة في عملنا الرائد الذي حولنا بموجبه نقابة عمالية محلية إلى نقابة للعمال المهاجرين، كان قد أخبرنا بأن إيطاليا لا يوجد بها نقابة للعمال المهاجرين، فجاء ليدرس وينظر كيف يمكنه نقل نموذجنا إلى هناك، لقد اقتنع المسكين ان الديموقراطية الإيطالية كان ينقصها شيء لتكتمل لوحتها، فجاء إلى بلاد دون كيخوتي ليكتشف عندنا القرص الذي كان ينقصهم في إيطاليا، نقابة للدخلاء تناضل لأجل أوراق إقامتهم وتحررهم من خوف بوليس الهجرة، وحين يحجزوهم في الثكنات الداخلية تناضل لفك حجزهم وترحيلهم إلى بلادهم الأصلية لتبقى أوربا قارة معقمة بالجنس الأشقر وتنعم لوحدها بالقهوة الطبيعية...وعندما يحررون اوراق تسويتهم، إذ ذاك يمكنهم ولوج نقابات الوطن ليندمجوا مع وحدة الطبقة العاملة.
إيه ياعمال العام....هكذا تشاء وحدتهم القذرة.
لكن صديقي الإيطالي هذا هو أيضا اكتشف السائل العجيب الذي نشربه، وأذكر أننا عندما جلسنا في مقهى مغربي، قال حينها ما يشبه حكم زميلتي العزيزة إيزابيل، قال هو الآخر: قهوتكم لا تشبه قهوتنا في إيطاليا، فأجابه أحد الزملاء بأنها قهوة مقهى مهاجر، وعليه يجب أن يتعلمها كي تكتمل نمطية النموذج النقابي الذي يريدونه في إيطاليا: نقابة يشرب منخرطيها قهوة خاصة بهم، لكن زميلنا الإيطالي الساذج كان يفتقد روح المرح والدعابة وكان جديا في نقل ماجاء لأجله إلا القهوة، قال: قهوتنا احسن من قهوتهم، وبجدية فجة أخبرنا بأنه لم يتذوق طعم قهوته المفضلة منذ حل بالمنطقة.
يا لبأس الرفيق في محنته
خرجنا من المقهى ذي الوصمة الحضارية المرصعة بقبلة مارلين، فيما إيزابيل مازالت تحكي لي حكايات عن النصب والإحتيال فيما يخص مواد الإستهلاك في بلادها السكندونافية العجيبة، كانت تحكي لي قصة لزوجها حول الزعفران الحر، كان زوجها قد اقتنى أكلا من مطعم لبناني مهيأ بالزعفران الحر وأشياء أخرى، وكان الزوج هذا يعشق الأشياء الطبيعية جدا ومنها الزعفران الحر، إلا أن صاحب المقهى كان يضع مادة ملونة دون الزعفران، فكان الزوج يرفض الأكل ويعاند بأنه لن ينهض إلا إذا أتى صاحب المطعم بأكلته وفيها الزعفران الحر وإلا سيقاضيهم عن النصب، كان يقول للنادلة: سندفع الثمن رغم غلائه، لكن سندفعه في شيء حقيقي فانتم كتبتم في “الميني” أنه زعفران حر وليس شيئا آخر وهذا الاكل ليس فيه زعفران، وهو ما اضطر النادلة أن تعتذر وتطلب منه الفصح وانتظار مزيد من الوقت كي يعيدوا تهييء اكلته وفق زعفرانه المميز، كانت إيزابيل تتكلم فيما انا غارق حتى الثمالة في سخريتي الوقحة، تسألني عما يضحك في الامر رغم أنها تتكلم عن شيء حقيقي عن عناد زوجها اللعين، أما انا فكان يضحكني شيء آخر تماما،أخبرتها اني كنت في مقهى مغربي بمدينة الرباط وكان سعر الدجاج المكتوب في لائحة الأسعار اربعين درهما(نصف دجاجة) وعندما انتهيت منها طلب مني النادل ضعف السعر ولما أشرت إلى اللائحة أن السعر ليس تماما مايطلبه، أخبرني بأن لائحة الأسعار هذه للنهار فقط اما الليل فله سعره الآخر. ولما عاندت كزوجها أخبرني النادل بانه علي أن ادفع وإلا سيضطر إلى إسقاط اسناني.
ــ تحدي هائل من إكس زوجك الذي لو عاندت مثله في المغرب لسقطت أسناني
ــ نعم هو كذلك، جدي للغاية
ــ هل تعلمين، أنا لم أتذوق بعد هذه المادة، ويقال أن تراب الجنة منها
نظرت إلي نظرة اشمئزاز فقالت:
ــ هل تعتقد ذلك؟
ضحكت قليلا فقلت: نعم، سنكون دسمين بالزعفران في طنجرة الله وإلا لا معنى لوجوده خارج الطنجرة، لأنه سيصيب أهل الجنة بالربو .
ــ هل حقا لم تتذوق طعمه أم انك تمزح؟
…...
ذهبنا إلى شاطيء طوري مولينو للتفسح فقط وتنسم رائحة البحر، لأن الجو كان غائما، وكنا خلال ذلك قد أصلنا وجلنا في فلسفة الزعفران إلى أن حان وقت تناول الغذاء لنبحث عن عقرب آخر، جلسنا في مطعم صغير تبدو أحجام مأكولاته في الصور ضعف أحجامها الحقيقية، ذكرني هذا أيضا بالعقرب المغربي الذي يعمل ليلا حين تنام العقارب ويكون طبخه الليلي بسعر يضاعف سعر طبخه النهاري، أما الاثمنة فكانت غريبة حقا، غريبة عني انا الذي اعتاد السياحة في درب الفقراء، أما إيزا فكانت تنتمي إلى آكلي وجبات الزعفران الحر، وكانت تقول لي، ورغم أنها تدفع أثمانا مناسبة في هذه المأكولات إلا أنها لم تتذوق حتى الآن طعما يليق بتلك الأثمنة، والحقيقة أني أنا أيضا لم أتذوق طعما جيدا كطعم مقاهي درب الفقراء رغم ما تدفعه إيزا من ثمن يفوق ما ندفعه نحن في أحسن مطعم عندنا والغريب حقا أننا عندما اقتربنا من مطاعم ماكدونالد، احجمت أنا عن دخوله بسبب من بروتوكول الأغنياء فيها والمحرج لي، حيث تظاهرت أني أتبنى موقفا سياسيا من منتوجات هذه الماركات كما أعلنت لها أني من مقاطعي منتوجات إيزا (الولايات المتحدة ) ومن بينها هذه المطاعم، بينما هي يعني إيزابيل اعتبرته من أحقر المطاعم عندهم، ليس بسبب ماركته الأمريكية بل لأن هذه المطاعم عندهم لا يدخلها إلا الفقراء والوضعاء، وكانت دهشتها غاية في الوضوح عندما اطلعت على لائحة الأسعار:
ــ إنها أسعار مرتفعة لأكل وضيع وغير صحي، كثير من مثل هذه المطاعم عندنا قد أغلقت
ــ لكنها هنا على العكس تماما انظري إلى أشكال وافذيها، إنها من الطبقة ال....
في المقهى الصغير وبينما نحن نتناول طعام الغذاء أقبل علينا رسام عربي، كان قد وقف بجانب أسرة إسبانية تتناول غذاءها أيضا، فطلب منه طفل صغير أن يرسمه حيث تموضع قبالته وبدأ يخطه، وقفت إيزا لترى كيف يرسم ثم عادت إلى جلوسها لتخبرني أن رسمه جيد، ثم أشارت إليه أن يرسم لها لوحة كاريكاتورية عندما ينتهي من الطفل، أقبل علينا وتموضع في كرسي بجانب مني، كانت تقول بأن لوحتها ستنشرها في حائطها بالفايسبوك وكانت تمزح أن تكون معبرة بشكل ما عن شخصيتها اقتداء برؤساء الدول الذين تتناولهم سخرية الريشة الكاريكاتورية. بدأ الرسام في وضع لمساته الأولى، وضع العينين فيما هي تسألني كيف تبدو الصورة، اخبرتها أنها لم تتوضح معالمها بعد رغم أن العينين اللتان وضعهما تشبه عين أرنب. تساءلت كيف للتأكد فأكدت لها أنها أرنب، ثم علقت من جديد:
ــ رئيسة وزراء تشبه أرنب
ــ كيف؟.
ــ نعم ليس فيها مايشبه...
بعد ذلك أخذت وضعها ليوشمني في اللوحة بجانبها، كان الوضع مخجلا، فهي بلهجة حادة علقت أن صورتها لا تشبهها في شيء، حتى شعرها وضعه بشكل مخالف لحقيقة شعرها ثم بدأت تصحح له صورتي التي وضعها في قالب ضفدع هرم بشكل وضعنا في جو كاريكانوري أكثر من لوحته، بدا أن رؤساء الوزارة في الصورة مجرد أرنب وضفدع على خلاف ما تمنته إيزا وكان مازاد الطين بلة أن وضح بين الصورتين قلبا مرهقا بخنجر كما لوكنا مازلنا نعيش زمن المراهقة المبكرة، منحته بعض النقود وقد تشنج وجهها كما لو كانت تدفعها في غير محلها
ــ خسيس هذا الرسام العربي، ونصاب، كيف يجرؤ على أخذ المال وهو لم يرسم شيئا منا؟ كيف يجرؤ أن يسمي نفسه رسام، لو كان إكس زوجي لوبخه على أقل تقدير، ولن يدفع له
ــ هوني من نفسك واعتبريها صدقة..
ــ لا، لا، هذا نصب وليس عمل، ثم حاولت أن تهون من الأمر فقالت، عندما أعود سأعيد تصحيحها، الغبي لم يضع على الأقل العينين وهما الأهم، وبعد ذلك يمكنه أن يلعب كيفما شاء في باقي الصورة
ــ ربما له فلسفة فنية أخرى، ربما لم يخطر بحدسه سوى كوننا حيوانات صغيرة
ــ تقصد ماذا؟
ــ أقصد أرنب وضفدع
ــ يالك من شخص ثقيل حقا
ــ ماذا تريدين إيزا، هو متسول عصري (أوربي أقصد) على مقاس المتسولين يالقيثارة وما إلى ذلك، والشيء الذي يتقن رسمه هو عين الأرنب والضفدع فقط، إنهما حتى في الصورتين في لوحته الإشهارية
كان الرسام العربي مشردا في مالقا المفعمة أزقتها بكل ألوان السياحة، كل شيء فيها مخادع، الناس فيها يبتسمون في تصنع مفضوح، حتى ابتسامته هو، بل حتى القلب الذي رسمه في لوحة الضفدع والأرنب، كان قلبا محطما إلى أبعد الحدود، ربما كان وهو يطبعنا في ورقته، يتذكر أيام الجد والنشاط التي ابتلينا بها في المدارس الإبتدائية حين كنا نرسم شغب الطفولة في جدار المراحض، حين كنا نتلصص على بنات الجيران وهن ينشرن بفرح عارم خبر العادة السرية، وكنا نحن نرقعها باللون المفحم في كل الجدار: فلان فعل فلانة، وكانت جريمة بقلب الفاجعة، لكن الرسام الصغير رسم قلبا صغيرا وجريحا يربط ضفدعا بأرنبة، والحقيقة انه كان يرسم تسوله أكثر من انه يرسم ملامح كاريكاتورية، إيزا الحائرة في نصبه لم تستصغ حتى الآن كيف اخذ منها تلك النقوذ البئيسة، ولم تستمتع تلك اللوحة الجميلة التي كان يمثلها هو نفسه، كان يقول لها ان تنظر إليه وهو يوقع بصماته، وحين يوقع، كان يوقع ملامح أخرى تشبه مثلثات مكشرة كتضاريس مالقا نفسها المليئة بالضفادع وكانت هي تتحدث عن وقع ارتسامات أصدقائها وصديقاتها حين يرون صورتها في الفايسبوك: مارغريت جديدة محنكة كأرنب وضفدع يشبه تماما جاك شيراك، لقد كان بيكاسو عجيبا حقا فهو يفترض ان تتخيل أنت الصورة العجيبة من مثلثاته وأن تضفي عليها شخصية إنسانية هائلة، يذكرني هذا بأخي الذي ذهب لأول مرة إلى الغابة قصد الحطب كان ينهال على حمار عبقادر بقسوة بالغة حتى نبهته ان يرفق به لأنه مجرد حيوان، تأمله فجأة وكانت عين الحمار تدمع فمال أخي يستعطفه وهو يشير إلي بأني على حق، وبعد أن تفحصه نطق فجأة بأن الحمار يشبه عبقادر صاحبه، نظرت إلى الحمار وكان حقا يشبه صاحبه، ولما بلغنا الغابة، صعبت على أخي صورة عبقادر في حماره وعزم أن لا يحمله من الحطب أكثر مما يستطيع عبقادر حمله، وعند عودتنا التقينا باحد الأهالي وهو شيخ حكيم، نظر بتأمل إلى أخي وهو يتكيء على الحمار فقال له:
ـــ يستحسن أن تركب الحمار حتى لا يظن الناس بأنك أتيت من الحطب
قالت إيزا بانها لم تفهم شيئا من قصة الحمار، قلت: ستفهمين هذا عندما نزور متحف بيكاسو الذي أنت مصممة على زيارته رغم أني أفضل زيارة منزله
ـــ لماذا هذا التفضيل
ـــ ربما لأني لدي نفس الحس الذي كان لي في صورة عبقادر مشخصنة في حماره، في علم الإجتماع هناك علم جديد يقول: «أرني منزلك أقول لك من أنت » وإذا كان هناك حمار بالمنزل، فهو حتما يحتكر سمات المنزل وصاحبه، هذه نظرية أخي التي لم يسجلها في موسوعة العجائب، لكن تلقفها الشيخ الحكيم بمجرد النظر، ونصحه النصيحة المثلى: أن يركب الحمار عفوا بصاحبه
ـــ لم أفهم شيئا
ـــ مثلا الحكام العرب يركبون حمار أوربا وأمريكا عفوا بهم
ـــ هذا لغز آخر، أنت مجنون أيضا، دعنا من حيض فلسفتك، أقترح عليك شيئا، سنذهب غدا لزيارة ميخاس، ستعجبك على ما أظن، حدثني عنها إكس زوجي، قال بأن مبانيها عربية
ـــ أنا عشت فيها أسبوع عندما “حرقت” من المغرب، لكن لا أذكر منها شيئا لأني حينها كنت مجنونا أو أحمقا او غسيلا لا أدري
ـــ ماذا تقصد ب”حرقت”؟!
ـــ تعني عندنا: عندما هاجرت في الباتيرا إلى إسبانيا تعني (الهجرة سرا)،، كانت ميخاس أرض الإستقبال، لكني لم أشاهدها جيدا حينها، وهي الآن مناسبة جيدة لمشاهدتها
ـــ لكن كيف أنك عشت فيها أسبوع وتقول بانك لم تشاهدها؟
ـــ صدقيني لم أشاهدها رغم ذلك، كنت مثقلا بالوصايا من المغرب، كان السابقون في الهجرة ينصحون بان نحرق اوراق الهوية، وأن لا نتكلم إلا مع الذين نثق بهم وهم طبعا من اهالينا وأن لا نسأل أحدا عن طريق، وأن نحفظ أرقام هواتف الذين سينقذوننا في الذاكرة، وعندما وصلت إلى شاطيء فوينخيرولا نسيت كل شيء رغم أن ذاكرتي قوية: ولدت من جديد في بلاد دون كيخوتي. حتى ميخاس لا أذكرها.كأنما دماغي غسل منذ كنت في المغرب.
ـــ أفهم من هذا انكم تعرضتم لعملية غسل دماغ في المغرب
ـــ ربما صحيح، لكنها عملية غير مؤلمة على ما أعتقد، لم أشعر بها في وقتها، وحتى الذين قاموا بها لا أظنهم واعون بها، فالحكاية معقدة جدا، ولها علاقة بالنهب والإستغلال، ولم أشعر بها إلا عندما عاشرت الفضلاء من الماهجرين السابقين.
ـــ تقول الفضلاء؟؟
ـــ نعم، بفضلهم أنا هنا هاربا من ضيق الوطن
ـــ ضيق الوطن؟؟
ـــ نعم، بربك هل جربت البطالة؟، وشعرت أن الفضاءات كلها ضيقة، من منزل الإقامة إلى المقهى، إلى الزقاق، إلى المدينة، كانت المدينة التي أقطن بها، كلها ضيق، وحين أسافر.... دعنا من هذا يجب أن تعيشي البطالة لتعرفي
ـــ تعتقد أني لم أجربها، حقا، أنت لاتعرفني أنا من دولة عربية أيضا، لكن مات فيي الوطن حتى لا أتكلم لغته، ليست البطالة هي من حملنا على الهجرة، بل شيء آخر، نحن طردنا من الوطن وتشتتنا بين أم ينتمي أصلها لبلد وأب إلى آخر، ونحن الآن عائلة مشتتة تماما، أخ هناك وأخت هنالك، وأب هنا وام متزوجة ووو...، لنقفل هذا الموضوع، أرجوك
ـــ أنا فقط تكلمت عن البطالة وضيق الوطن لم أتكلم عن بحر آخر، أنت من اتى بمحيط آخر عندكم، أنت إيزا أيضا مهاجرة مثلي؟
ـــ نعم بفارق بسيط، هو أني سائحة هنا بجنسية أوربية، لذلك يحترمونني على خلاف منك، عندما أتكلم الإنجليزية
ـــ تحيى الإنجليزية إذن في بلاد دون كيخوتي، كلميهم أنت عند التسآل واعفيني انا
ـــ نعم، هذا جيد، انا سائحة أوربية
ـــ نعم، نعم، جنسية الزعفران الحر، أنا فهمت الآن، لهذا سنزور ميخاس التي سنكتشف فيها حمار عبقادر، وبعدها متحف بيكاسو كما تعشقين. لنكتشف الزعفران الأوربي في مطاعم السياحة الغربية. لكن لماذا لا نزور اولا قصبة القصور الحمراء بالأندلس؟
ـــ لنزور إذن القلعة بمالقا وبعدها ميخاس، أوه، لماذا لا نذهب إلى غرناطة لزيارة قصر الحمراء؟
ـــ غدا سنسأل في المحطة عن أوقات الرحلة لنرى هل يمكننا السفر إلى غرناطة
ـــ ألم تزرها أنت
ـــ نعم زرتها، لكني نسيت مارأيت فيها، فأنا مذ وصلت إلى أوربا، كل يوم، أولد فيها من جديد، لا أذكر منها الآن إلا الجعة التي تحمل اسمها، وهي جعة تشبه في مذاقها جعة السبيسيال المغربي.
ـــ أنا لا تعجبني الخمور، وأنت فاقد الذاكرة، لا تذكر إلا مذاق الخمور
ـــ اعرف، كل النساء لا تعجبها الخمور

ليست هناك تعليقات: