كان الليل حارا بشكل لم يستطع حمو أو آمو كما يناديه الإسبان لتعذر نطق حرف الحاء عندهم، ان يغمض له جفن، كان جسمه البدين يختزن كل ما شيعته شمس النهار، لذلك لم يكفيه برميل الماء الذي وضعه بجانب سريره، كان كل مايشربه يخرح للتو من مسامه، فراشه مبلل بشكل كامل، ورائحة جسمه تفوح من كل جنبات السرير لدرجة كره نفسه، وكره الطبيب الذي وبخه ذات يوم كون جسمه البدين يحتاج كمية من الماء أكثر من التي كان يتناولها، حتى العطر الذي يتعبق به يفوح مع حرارة جسمه عطرا شاذا يشبه النفور، كان يقول دائما بأن جسمه البدين رغم حجمه الكبير أشبه بغيمة سراب
ــ لن تستطيع رؤيتي من بعيد في هذا الصيف اللعين، لأن جسمي ينشر حوله غمامة من السراب، أحيانا لا أستطيع ان أرى مؤخرتي رغم حجمها الكبير، جسمي مقرف بشكل لا أستطيع التنقل في الحافلات، الكل يخاف أن أذيبه بشحنة سرابي المنبعث من جسمي، غيمة قوية من الحرارة، وكلهم على حق، لذلك تراني لا شيء أيضا، لا أستطيع العمل، وأكره كثيرا هذه البلاد اللعينة كما أكره بلدي الذي ضاق بي، انا أمقت نفسي فكيف بالناس رغم أنهم طيبون ويوثرون الحفاوة في استقبالي، رأتني سيدة ذات ليلة يشع مني نور قالت بأنه نور القديسين، حسبتني المسكينة قديسا، وانا أعرف أن ماشيعته عني عند كل معارفها كان خرافة، من يومها والناس، الجيران الطيبون، يأتون لزيارتي والتبرك بكراماتي، أما أنا فأعرف ان عظامي وكثلة جسمي قد شحنتهما شمس النهار وفي الليل يخرج من جسمي حرها على شكل شعاع، ولا أعرف أي معنى لقديس كل همه انه يتكوى بذاته ومن خلالها ويتمرغ في فراشه ولا ينام، ومن يومها أيضا نصحني الطبيب بأن أصحب إلى فراشي هذا البرميل من الماء حتى لا تشتعل النيران في بيتي ويقذفني رجال المطافيء، ها أنت الآن يا صديقي العزيز تعرف حقيقتي: جلي كتلة من السراب فلا تفضح احترام الجيران لي وتضيع علي عيشي، فالناس تأتي لتكميد أوجاعها بلمسة مني ويقولون بأنهم يتعافون، وانا صراحة لا أعرف ماذا يجري في الأمر ولا كيف هم يتعافون.
أحيانا يذهب لينام في السطح ويصحب برميله إلى هناك رغم أنه لا يشرب كثيرا كما في البيت، قال بانه يفعل ذلك لكي يطفيء حرارته حتى لا تتسبب في انبعاث شعاعه وتأتي هذه المرة صحافة الدنيا لتبشر البشرية باليوم المعهود
وفي السطح كان يحظى بقليل من النوم، فهو لا ينام باكرا والشمس تطلع باكرا في الصيف ولا يستطيع أن يبقى طويلا ليتشحن جسده او يتعرض لسلع هذه المخلوقات الصغيرة التي تفيق باكرا وتزعج اذنيه، يكره الشمس كثيرا، حتى صديقته التي كانت يوما ما مفتونة به، وتصدق هي الأخرى أنه قديس بسبب آخر كان يتعلق بيومها الأول في مضاجعته، كانت عند الإنتهاء قد سقطت مغما عليها، وكان هو يعتقد بأنها القوة الفحولية الجنسية الإفريقية، وكانت ما أن تستفيق من غمائها حتى تعاوده مرة وثانية وثالثة ورابعة و.... وكانت كل مرة تسقط مغما عليها، تستفيق وتقول له: «أنت ماتشوا حقا» (يعني أنت فحل) ولم تكن تعتبر ذلك إغماء بل كانت تراودها أحلام جميلة، كانت تشعر بإحساس غريب، كانت ترى نفسها تطير عارية بأجنحة خفية، يقول حمو أو آمو كما يناديه الجيران الطيبون، بأن صديقته هذه جاءته يوما بخبر غير مفرح، وبسببه فكر كثيرا في الإنتحار، قالت له اللعينة بانها لا تطيقه صيفا بل هي تفضل أن تعاشره فقط أيام الثلوج في فصل الشتاء، ولذلك تراه المسكين عاكف طوال السنة بشكل يجعل الناس يعتقدون حقا أنه قديس زاهد، وبسبب من هذا ألغى كل علاقة مع عشيقته وأسقط شرطها، قال: «أيهايǃ تأتي فقط في الثلج كي تتدفأ مني، كم هي انانيةǃ ».
«ــ الليل هو أجمل الظاهرات الطبيعية عندي، فيه وحده أستطيع أن انام قليلا، ياهǃ، كم هو جميل حين يقترب الفجر، يكون باردا ومنعشا في نفس الوقت وفيه انام أحسن نومي وتكون الاحلام فيه أيضا جميلة، جاءتني ذات ليلة صبية جميلة وعجيبة في نفس الوقت، قالت لي بأن عمرها ثمانية عشر، ونسيت لغبائي، لمخي السجين تحت كثلة الشحم ان أسألها هل هي ثمانية عشر يوما أو أسبوعا او شهرا، كانت تحبوا وكانت تتكلم بفصاحة الكبار، تعرف أنها امرأة وتفهم أنها مقبلة يوما ما على الزواج وتعرف كل شيء عن ولادتها والطريقة التي جاءت بها إلى هذه الدنيا، وأغرب ما في الأمر أنها لا تعرف أمها وكان وضعها في المقام كما لو جاءت لأتكفل بها، وفي الصباح جاءت إحدى زبوناتي كي امسحها، يقصد تدليكها، وحكيت لها الحكاية فقالت بأن الأنثى في الحلم تمثل الحظ، وأن يوم ثمانية عشر هو يوم حظي، وجاءت لتتكفل بها يعني سيأتيك الحظ في اليوم المعلوم هذا وتكفل به هو يتكفل بك، ولما سألتها عن اليوم المعلوم هذا قالت بأنها لا تدري ويتوجب علي أن أحسبه بنفسي، قالت هذا وذهبت متمنية لي حظا جميلا ومفطنة لغبائي وقلة نباهتي مع الصبية الفصيحة، ومن يومها أصبحت عالما في علم الإحتمالات والحساب الرياضي.»
بدأ آمو حساب الإحتمالات من يومها، حسب الجمعة الثالثة يوم حظه باحتساب الأيام الثمانية عشر يوما من يوم حلمه ورأس السنة الميلادية يوم حظه باحتساب ثمانية عشر أسبوعا من يوم حلمه وأواخر شهر فبراير ومارس من السنة الثانية شهر حظه باحتساب ثمانية عشر شهرا، وهنا توقف الحساب عنده لأن الصبية لا يمكن ان يكون لها سن 18 سنة وهي تحبوا وتحتاج رعاية وكفالة، والحظ الذي سياتي بعد هذه المدة هو حظ منكوس بلا شك، لأن آمو سيتقدم به السن وسيبلغ الستين حيث، ومع كثلته الجسمية، لن ينفعه الحظ أثناءها.
كان يوم الجمعة يناسب قرعة يانصيب الأورومليون في اللوطو الأوربي، وكان مناسبة جيدة للتأكد من حظه رغم أنه كان يكره جيدا لعبة اليانصيب هذه، وتذكره بأيام البؤس التي عاشها في مدريد، حين كان يقامر ببضع من بؤسه لعله يطير فجأة ويتحول كما في المثل المغربي: «من لحمارة ل. الطيارة » (ويقصد به هذه القفزة الصاروخية للشخص حين يغتني فجأة) وحدث أن طلعت له ستتة أرقام المطلوبة في يانصيب البريماتيفا وتؤدي إلى الجائزة الكبرى ولم يصدق عينيه، كان قد شعر خلالها بروح عارمة تطلع في أحشائه، وتراجع خطوات إلى الوراء ليتأكد من الأرقام، وكانت صحيحة، ثم بدا يشعر بخطورة الموقف ورأى أن يخفي فرحته حتى لا يثير فضول الناس، وهو يعرف كثيرا من القصاصات حول اللوطو، جرائم قتل وتجار تبييض الأمول والمخدرات الذين يطمحون إلى شرعنة ممتلكاتهم المالية، فأن تكون في حوزتك ستة أرقام، يعني أنك تملك شيكا بمبلغ كبير، كبير جدا، تراجع آمو إلى الوراء وفكر أن يتمهل قليلا حتى يخف الناس، لديه أجل شهرين لتصريف أرقامه، فلما العجلة المثيرة للناس وهو مهاجر قد يحسده أحدهم كما وقع للإكواتوري الذي قتل بسبب أرقامه، ثم ماذا؟ ماذا لوأعطى هذه الأرقام لصاحب المحل ونكره، فالزحمة تغطي رؤية الكاميرا القائمة في زاوية المحل، والجيفة هذا قد يسرق أرقامه ويبدلها بأرقام أخرى، لذلك فكر آمو أن يأخذ مساحة من الوقت فهو الآن قاب قوسين أو أدنى سيملك الدنيا، وعلية فقط أن يعرف كيف تدار الامور، فصاحب محل اليانصيب لا يستطيع أن يدفع المبلغ وقد جرب الأمر حين فاز بالف يورو في الكينيلا (يانصيب يعتمد على نتائج الفرق في كرة القدم) حيث ارسله صاحب المحل إلى بنك خاص، لذلك فكر مليا أن يذهب إلى نفس المؤسسة بأرقامه ويعلم أن البنك يتوفرعلى قائمة كامرات معدة للمراقبة ولا يستطيع اي موطف فيه إنكار فوزه، ذهب إلى المؤسسة هذه وحين وصل دوره همس إلى الموظف قائلا لقد فزت ب"البوتي" في الياتصيب وأريد صرفه، أخذه الموظف مباشرة إلى المدير ليناقش معه الإجراءات وبعد اخذ ورد واتصالات عبر الهاتف بأصحاب اليانصيب أخبره بأن الأرقام غير صحيحة وأن البوتي لهذا الأسبوع لم يبلغه أحد حسب المعطيات التي لديهم وبالتالي سيضاف له رقم أعلى في الأسبوع القادم، صدم آمو في الأمر، نزع ورقة الأرقام من يد مدير المؤسسة وهرع إلى صاحب محل اليانصيب، كان في حالة هوس شديد: كيف لهذه المؤسسات القانونية أن تتلاعب بنتائج "البوتي" وانا أخذت الأرقام الفائزة في ورقة لكي أتأكد من صحتها على مهلي وهذا اللعين يقول لي بأنها ليست صحيحة. في الميترو أخذ الخط الذي يؤدي مباشرة إلى الساحة التي يتواجد بها صاحب المحل، لكن بهوسه الشديد اخذ الخط عكسيا ولم ينتبه إلى الأمر حتى وصل المحطة الثالثة التي يفترض أن تكون باب الشمس مركز العاصمة الإسبانية، عندها توقف واخذ يعترف لنفسه كما لو مسه جن، فهو لم يتصرف في حياته بهذه الطريقة العكسية، بدأ يتذكر كيف دخل بوابة الميترو ولم يتأكد من وجهته مع انه يحفظ تماما كل محطات الميترو، فبفضل البطاقة الشهرية التي منحته إياها إحدى الجمعيات الخيرية التي تتكفل بالمهاجرين، للتنقل عبر أنفاق الميترو، وكونه لم يحظى بفرصة شغل بسبب من وضعه اللاقانوني حينها، فقد كان يتجول طولا وعرضا في مدريد وضواحيها.
وصل اخيرا إلى صاحب المحل وتقدم إليه قائلا: «لقد فزت بالبوتي وعندما ذهبت إلى المؤسسة البنكية أنكروا علي الأمر» ، نظر إليه مليا ثم نظر إلى الورقة التي فيها أرقامه التافهة ثم رد عليه قائلا:
ــ أيها اللعين القذر، أنت تلعب في البريماتيفا وفي البونو لوطو ، هذه الورقة للبونو لوطو وليس بريماتيفا أيها الغبي، لقد أضعت الفوز، كان عليك ان تلعب على نفس الأرقام في البريماتيفا أيضا، كم انت سيء الحظ
أخيرا تنبه آمو إلى أن أرقامه المحظوظة كانت في محل غير محل الفوز، سخر من نفسه كثيرا ومنذ ذلك الحين اعتزل لعبة الحظ هذه. لكن هذه المرة جاءه الوحي من جديد، صبية في عمر الثمانية عشر المبهمة، والمرأة صاحبة تفسير الحلم الغريب أخبرته بأن الصبية في الحلم تمثل الحظ الكبير والمبهم في نفس الوقت، وغباءه المشحم بكثلة جسمه لم يسألها في حلمه عن أية ثمانية عشر تتكلم، ولم يبقى له سوى أن يلعب على كل الإحتمالات التي يوفرها هذا الرقم اللعين، وسيقرر أن يلعب على أرقام لا تتعدى سقف 18 ، وبما ان يوم الحظ في الإحتمال الأول هو يوم قرعة "الأورومليون"، أي يوم الجمعة، يوم المسلمين، كان احتماله قويا بالفوز في ذلك اليوم، وتأكيدا لمرضاة الله اختار أن يبدأ من الآن في الصلاة وأن يتحلى بالخلق الإسلامية الحميدة لعله يستجاب لحظه، لقد اشترى نسخة من القرآن وبدأ يزور المسجد كما امتنع عن الرذائل الأوربية كشرب الخمر واكل لحم الخنزير ولحم حرام وما إلى ذلك من الممنوعات والمكروهات عندنا، لقد اختار ارقام الحظ ليوم الجمعة بعناية كبيرة فوضع في النجمتين المطلوبتين رقمي واحد وثمانية ثم خمن إلى طريقة مثلى لوضع الأرقام الخمس المتبقية وهي أن تكون عن طريق الصدفة تماما كالحظ وليس عن طريق الإختيار على أساس ان تكون محصورة فقط من واحد إلى ثمانية عشر، ورغم أن الفكرة غير مقنعة إلا انها تمثل أرقام حلمه، وكانت الطريقة الصدفة كما رأى هي أن يغمض عينيه ويوقع القلم في مربع الأرقام، وكانت عملية الإقاع غالبا لاتصيب الأرقم في حدود 18 ثم حدد مربعها ليوقع من جديد قلمه ومع ذلك كان قلمه غالبا أيضا يخطيء في تحديد الرقم ويقع في الفراغات بين مربع الأرقام، ومع ذلك ثابر حتى وصل العدد المطلوب لينتظر يوم القرعة الذي سيكون حافلا بدون شك، خبأ ورقة المراهنة بعناية وقرر أن لا يخبر أحدا حتى لا يفشى السر لأن الحظ حساس لدرجة لا يحتمل الإفشاء، هكذا تعلم الأمر حتى من والديه، أن يحفظ حظة لكي يتوفر له ، في الجمعة تهندم بلباس تقليدي مغربي، جلباب أبيض، بلغة (حذاء مغربي تقليدي) بيضاء وكل شيء أبيض ماعدا شعره، بدا كعريس مغربي تقليدي ولما لا وهو سيزف نفسه للحظ السعيد، او الصبية الجميلة والفصيحة، كان متيقنا من حظه بنسبة كبيرة فالصبية بريئة ولا تعرف الكذب والمرأة مفسرة الحلم جدية ولها من التجربة ما يحقن تاريخها بشكل تكون قد عاينت حظ الصبايا من النساء ملائكة الحظ، حتى والدته كانت تدعو له دائما بامرأة تدخل العز إلى بيته، وهو نفسه ليس إنسانا سيئا رغم يقينه أنه فرّط كثيرا في دينه، فهو مسالم وعطوف وليس حسود ويلبي الحاجة إذا كانت بيده ومضياف وكريم، بل كان أحيانا يتسامح مع زبنائه في أداء واجب البركة في مصحته بالبيت الذي يقطنه... ومنذ يوم مراهنته وهو يفكر في الأعمال الخيرة ويقبل على فعل الحسنات ويفعل مايصلح أجره و ينفعه وينفع اهله واصدقاءه، كان يفكر أن ينشئ استثمارا بقريته التي تضاحي الجبل لينقذ جيلا من ابناء قريته المعطلون، كانت فكرة رائعة ومستحسنة أن يفعل شيئا لمنطقته، ثم بدأ يرسم في مخيلته تضاريس المنطقة ومزارعها المنكمشة والتي تعود إلى أهل القرية، مزاريع صغيرة تنتج البؤس، فكر في أن يشتريها ويصلحها ويقيم فيها زراعات عصرية ذات مردودية وفعالية وتقوم على تشغيل أبناء هذه المزارع نفسها، فهو يقيم في أوربا، وبمستطاعه عقد اتفاقيات عمل لتسويق منتوجاته وبذلك يستطيع أن يضمن تسويقا بأسعار أوربية كما يستطيع أن يؤدي أجورا للعمال من أبناء القرية مرتفعة كما هي في أوربا مع بعض الفارق الذي يفرضه النقل والتبريد وما إلى ذلك، تخيل نفسه باطرونا ودودا يتسامح حتى مع سرقات العمال الصغيرة كأن يتجاوز عنها إن سمع بها وان يوبخ إذا ضبطها بنفسه فهو يجب أن يكون صارما في طلعته لكن حنونا في عمقه، فكر وفكر طويلا في الأمر طيلة الأيام المتبقية للقرعة، ثم أخيرا تنبه إلى شيء لم يكن في الحسبان، فكر في أن ذلك سيؤزم الوضع أكثر عكس أحلامه الجميلة، فكر بأنه بذلك سيفقد أهل القرية المزارعين كل ما يملكون، ومع ان الأعمال بالنيات فإنه يحتمل أن بعضهم لن يبيع بؤسه، وعلى الأرجح ستكون مزارعه التي ينوي اشتراءها مشتة ولا تصلح للأعمال كما يتصورها وقد يدفعه شيطان الأعمال إلى مضايقة أصحاب المزارع الأخرى، ثم توقف عن الأمر مكتفيا بالقول عندما أفوز سيكون محللها الرزاق العظيم اما انا بعقلي هذا الجاثم في شحم جسدي فلا أظنني أملك جادة الصواب، كيف لعقل مطبوخ بحرارة جسم يحمله ان تأتيه الحكم، ولماذا لا يساوم هذا العقل مع صاحب مزرعة البقر البدين أيضا مثلي أو اكثر والتي تحاصرمزرعته الكبيرة القرية بمساحات شاسعة وهي أصلا من اراضي الجموع لأهل البلد، وكان هذا الملاك قد استولى عليها إبان فترة الإستقلال، ولا يشغل من أهل القرية إلا بواب المزرعة وعساسها لأنهما وحدهما يعرفان كل القوم بالقرية الذين لا يستطيعون التجرأ على بعض السرقات الصغيرة، تساءل آمو لماذا لاتكون له هذه المزرعة باعتباره من أهل البلد ويستطيع شراءها بمال الأورومليون نفسه، أقصد بمال أوربا التي تسببت في فقدانهم لهذه المزارع، على الأقل سيستعيد الارض بمالهم ويقيم منشآت زراعية تنافس مزارع الأوربيين وبأموالهم نفسها. لقد فتح الأورومليون شهية آمو بشكل عجيب، فهو الآن رجل اعمال وفي نفس الوقت سياسي واقتصادي معصوم ومحنك ويفهم جيدا السياسة الجديدة للدولة فيما يخص الجهوية او الإقتصاد المندمج، لم يكن في حياته يهتم بشؤون الإقتصاد والسياسة وهو حتى الآن لا يدرك بعفويته السمجة أنه يشرع لفهم جديد في الإقتصاد أو السياسة، فهو منذ حط قدميه في أرض الأورمليون لم يفكر في البلد إلا فيما يحقق بعض نزواته، زواج من صبية تصغره بمسافة جيل، سيارة فاخرة ورحلات سياحية يفاخر بها أصدقاءه ممن يتحدثون عن المنتجعات. لقد قرر منذ حلمه أن ينزوي بنفسه وأن ينظر في صلاحه وصلاح قومه، أغلق مصحته للتدليك أو التبرك لا أدري وأخبر زبناؤه أنه قديس مودرن، يتمتع هو الآخر بعطلة للإستراحة وهو أمر مقبول لدى الأوربيين.
مر يوم الجمعة ثقيلا جدا عليه، لقد حاول أن يشغل نفسه بالصلاة والدعاء إلا أن امور السياسة والإقتصاد غالبا ماكانت تطفو لتقطع زهده، وكان كل مرة يستعيد بالله من الشيطان كي يتركه لزهده، وبقي على هذه الحالة حتى ساعة الصفر حيث ستعلن النتائج على الساعة الحادية عشر ليلا، لكنه فضل الإنتظار حتى تنشر النتائج في النيت، وبعد ساعة من ذلك فتح النيت ليجد نفسه قد ربح جزءا من حظه، لقد أصاب في النجمتين ورقم وحيد فقط وكان المبلغ بئيسا جدا هو نفسه تقريبا المبلغ الذي دفعه في الرهان، إثناعشر يورو، لقد حزن كثيرا بشكل حمل برميل الماء وصبه على جسمه حتى لا يشتعل سرابه من جديد، وبعد لحظات سمع طرقات سريعة على باب شقته،، إنه الجار في الشقة تحته جاء ليسأله عن سبب الماء الذي يقطر عندهم ولما رأى آمو يتصاعد منه بخار الغليان اكتفى بالإطئنان عليه وتذكر إشاعة الجارة التي رأت نور القدوس على جسم آمو.
لقد دخلت أرقام أخرى تحت سقف 18 في الفوز لكن ليست تلك التي اختارها قلمه بشكل عفوي.
عرف آمو الآن أن الأرقام التي دخلت كانت تحت سقف 18 ، وعلم أن النجمتين واحد وثمانية كانتا في محلهيما، وهو مازاده إيمانا بصدق الصبية وما عليه الآن سوى أن يعرف ماذا تبقى له، فهو يعرف أنه لم يدرس جيدا شفرة الصبية الذكية، كما يعرف أيضا أن مشكلته كانت في مخه المشحم، وأن سبيله إلى الفلاح والفوز هو أن يعرف كيف يقرأ شفرة الصبية غير المشحمة والذكية بامتياز وكيف يحلل رموزها، لقد خسر رهان 18 يوم لكن بقي له رهانا 18 أسبوعا ورهان 18 شهرا، رهان الأسبوع كما أشرنا سابقا يصادف أعياد الميلاد وهي أعياد مسيحية ليست كعيد المسلمين، وكان زهده الإسلامي قد أبقى له الأمل بحيث لم يخسر كل شيء، لكن بقي تساؤله الكبير هو كيف سيتعامل مع قرعة النافيداد الإسبانية، وهي قرعة بطقس مسيحي رغم أنها لا تستثني أحدا في المشاركة فيها، وهي أيضا، الإحتمال بالفوز فيها أكثر من احتمال الأورو، لأن يانصيبها متعدد الجوائز ويفوز فيها الكثير من الناس والكثير من الجهات في إسبانيا، وبدأ يتساءل عما إذا كان عليه أن يعمد إلى الطريقة نفسها مع عيد الجمعة ويدخل جمجمته في زهد آخر بطقوس أخرى، هل سيتزعزع إيمانه من كونه رجل مسلم إلى رجل مسيحي وتنطبق عليه صفات القديس التي أطلقته عليه جارته المسيحية حين رأته يشع بالنور كما قالت وحيث بفضل إشاعتها فتح مصحة التدليك المباركة التي بها يعيش بدنه الثقيل، لقد حاره الأمر كثيرا بشكل بات يلوم مخه المثقل بالمشحمات على قصور نباهته إلا أنه غالبا ما يعود متسامحا مع ذاته ليقول: لا، لولا بدانة جسمي هذا لما اختارتني الصبية الذكية، فكفالة طفلة يتطلب شخصا ثقيلا ورزينا وحنونا مثلي.
يباع يانصيب قرعة النافيداد شهرين او ثلاثة قبل القرعة، وفي الفترة التي تمتد من يوم الجمعة إلى اليوم الذي فيه سيستعيد آمو نشاطه السياسي، كان قد حاول أن ينسى الصبية وشفرتها المعقدة، لقد ترك الصلاة لأن جسمه البدين لايقدر عليها، فهو كان لا يستطيع أن يجلس القرفصاء وهو يستمع للإمام يخطب أكثر من ساعتين في الجمعة، ويقول بان خطبته تبلغ فيه التثاؤب مبلغا ويميل إلى النوم عوض السماع، وكان يبرر سلوكه هذا كون الصلاة يقيمها بطريقة ذهنية اكثر من الحركة الجسدية، والحقيقة أنه كان يصلي بطريقة أخرى تماما، كان يلوم قدره على جسامة بدنه ويحاسب نباهة مخه الثقيل الذي لا يحسبها كالآخرين، عاد يشرب الخمور وياكل لحم الخنزير ولحم حرام مبررا ذلك بكون الأكل والشرب تدخل ضمن ثقافة الشعوب التي يجب احترام عاداتها كما هي تحترم عاداتنا أيضا، وأنه لو ولد في الصين مثلا لكان أيضا من ملتهمي الكلاب والضفادع وليس الخنازير فقط، كما كان يذكر أصدقاءه من بلدته بأنهم من اكلة الذئاب والثعاليب والقنافيذ وهي عند شعوب أخرى محرمة، وأن الامر لا يتعدى كونه ثقافة في الأكل لا أكثر.
بدأ يتهيا نفسيا لاستقبال الدين الجديد، وبشكل غير شعوري او غير واعي، بدأ يثور على عاداتنا وتقاليدنا وطرق تفكيرنا البليدة، فصورة أحد المشرفين على مسجد مدريد لا تفارق عقله عندما التجأ إليهم يطلب مساعدة، وكان ذلك في صباح مثلج وصاقع ، كان قد نزل لتوه من سيارة أحد معارفة الذي اشترط عليه أن ينزله بالقرب من المسجد ويتدبر أمره لنفسه ووافق آمو على الأمر معتقدا أنه سيصادف أحد الكرماء بالمسجد ويساعده في تدبر أمره، لقد قصد مدريد لما سمعه عنها من وجود فرص للشغل وسعة خدماتها الإجتماعية على عكس عاصمة الزيتون "خاين" التي غادرها والتي لاتوفر بعض خدماتها للمهاجرين إلا في وقت. موسم جني الزيتون. تقدم إلى المسجد وهو يرقص بردا، لم يكن يعرف أن مدريد صاقعة في فصل الشتاء بهذا الشكل، وكان حذاءه يمرر بكل سيولة كل هذا الجليد الذي تختزنه مدريد، وكان بباب المسجد شخص بلباس رسمي، حيث تقدم إليه آمو ليخبره بحاله ويطلب منه مساعة في اقتناء الميترو إلى جهة معينة، وكان رد موظف المسجد هذا بلكنته المشرقية أن سأله عما إذا كان قد توضأ أم لا ولما أجابه آمو بأنه لا يصلي أصلا حتى يتوضأ، وبخه هذا الشخص واشار عليه بأن يذهب إلى الحمام ويتوضأ ثم ينتظر الناس حتى تكمل صلاتها في الصباح الباكر هذا ويسألهم طلبه، نظر إليه آمو فيما يشبه الإستغراب، نظر إلى الحمام حيث يتوضأ الناس ثم نظر إلى وجه المشرف متمتما بهمس : ستتجمد خصيتي في هذا الصقيع الذي تدعوني إليه أيها الغبي، وداعا أيها المومن بالله،، تراجع آمو وراء، ومنذ ذلك الحين نسي وجود هذا المسجد بمدريد.
بدأ آمو ينتقد أعمال المسلمين، ويقول بأن دولة الفاتيكان تدعم الأعمال الخيرية في كل بقاع المسيحيين حيث أوربا الغنية بخدماتها تجد فيها أيضا مطاعم مجانية بإشراف المسيحيين، ويوزعون الملابس والأحذية على كل البشر بدون تمييز وينشؤون الملاجيء للإختباء (البيركي) من صقيع مدنهم الثلجية، وكانو في السنوات الماضية يمنحون بعض المساعدات المالية للمعوزين لأجل التنقل بحثا عن العمل في مدن أخرى دون مساءلة حتى ظهرت عند المعوزين بعض الحالات التي تستغل التذرع بالسفر لاقتناء ثمن تكرة السفر منهم ليشتروا بعض الأقراص والحقن التخديرية، ولما انتبه القائمون على الكنائس وهذه الملاجيء إلى خدعة هؤولاء بداوا يمنحون بطاقات السفر بدل المال، اما دولة مكة التي يلجأ إليه ملايين المسلمين وينعشون اقتصادها في الحج ويذبحون اكثر من مليون كبش هناك، فلم نرى منها معلبات لحم توزع على الفقراء ولا مصانع أحذية من تلك الجلود التي يتركها الحجاج هناك، او ألبسة من صوفها كما يفعل المسيحيون، ولا يبنون حتى مساجد التعليب لجاليات مسلمة هنا وهناك، فقط مهوسون بالوضوء وصلاة الزواحف الصغيرة، أموال المسلمين في مكة يتبرع بها فقط لصناعة المذاهب الذيلية والرعب الجهادي وتغذية النعرات الفقهية وإلقاء خطب تافهة مكررة وممضوغة وتشرف عليها الحكومات السياسية، تكرس الحاكم حاكما بالمطلق والخاضع خاضعا بالمطلق والإمام إماما حتى ينتهي عمره وكل شيء عندنا بالمطلق. فأموال مكة اكثر بكثير من أموال الفاتيكان بدليل مدخرات الحج وحده دون الحديث عن الحج الآخر ومع ذلك فجهاد الفاتيكان أكثر فعالية من جهاد مكة واكثر قربا من الناس بسماحتهم ومساعداتهم الإنسانية، فهم لا يفرضون زيارة الكنائس ولا طقوس الوضوء ولا يسألونك عن دينك، بل هم يصنعون القدوة بالعمل الصالح ويتركون لك حق التصرف وإذا اظهرت تعاطفا معهم يستقبلونك في مجامعهم وبكل نجاستك. قارن اعمال الصليب الأحمرعندهم بأعمال الهلال الأحمر في المغرب ستجد الفرق شاسعا وهي مؤسسات تنتمي إلى نفس الجهة عالميا، لكن خدمات الصليب الأحمر أكثر اداء في عملهم وفي خدماتهم من هلال البؤس عندنا. وأغرب كيف يفتخر الناس بدين يعطونه أكثر مما يأخذون منه، وأتساءل أحيانا، لماذ يتصدق المسلمون وفقراءهم لا يلقون شيئا من صدقاتهم
كان آمو كلما اقتربت قرعة نافيداد كلما كبرت ثورته ضد الإسلام، وكلما اطمأنت نفسه أيضا لصحبة المبشرين بالمسيحية وهم قد أغنوا مكتبته بكتب الإنجيل ودروس الوعظ وهي كتب مجانية مدعمة بصور رومانسية ولا يدفع فيها كما يدفع لشراء نسخة القرآن، بل حتى القرآن لم يسلم من نقده وهو يقول بأن بعض المصاحف القرآنية أغلى بكثير من التحف التاريخية رغم أنه فقط كتب بالخط الفولاني أو الخط الفرتلاني الذي لا يفهمه عامة الناس: «حتى قرآن القنصليات المغربية، النسخة المجانية الوحيدة التي رأيت في حياتي من القرآن، وتمنح للجالية المغربية بشكل زبوني، هي أيضا مكتوبة بخط الزراويط المخيفة وبأحرف قديمة، القاف فيه هي الفاء الحالية والتاء المبسوطة أو الهاء قائمة الضهر لا تبالي بالكلمة والنون بحجم إناء ولا ندري لماذا يكتبون هذه النسخ بهذا الشكل المنافي لروح العصر مادام عامة الناس قد درسوا هذه الأحرف بلغة اليوم كما تكتب الآن. إنهم يخلقون التعجيز في كل شيء، فهم ضد الترجمة لأنها تنقص من إعجازه، وهم أيضا يعمدون إلى التعجيز حتى في قراءته ليبقى الأئمة الأغبياء وحدهم من يقرأوه، ووحدهم من يفهموه للناس تحت إشراف الحكومات طبعا».
لقد تحول آمو بقدرة قادر إلى رجل لاهوتي ناقد وتثور بشكل غريب يشبه إلى حد ما ثورة سان أغوسطين القرطاجي الأصل والشهير والذي يملأ اسمه كل شوارع المدن الأوربية، حيث ثار على تدينه بالماسونية القديمة واعتنق المسيحية، وهاهو آمو ايضا بدأ يتحول تدريجيا إلى قديس ليثبت نبوءة المرأة التي رأت النور يشع من جسده، وهاهو آمو الذي اعترف في السابق بأن شعاعه هو ناتج عن تشحينه في النهار أصبح الآن يتحول إلى تأكيد قدوسية شعاعه ويؤكد أن تخمينه السابق حول نفسه لم يثبت علميا حتى الآن وهو ما يؤكد قدوس شعاعه وأن تشحمه وبوادر ظاهرة السراب التي اقتنع بها لم تكن سوى بوادر أولية وجنونية لتفسير ما وقع له، وان ذلك يحدث مع أي شخص لا يعرف تفسيرا لظاهرة ما حين تطفوا لأول مرة، وانه سمع من خلال علاقته بالمبشرين الكثير من الحكايا التي تؤكد الظاهرة التي وقعت له، وأن المبشرين متمسكون به اكثر عندما سمعوا بشعاعه، وانه يشعر براحة ضمير بسبب تحوله وليس العكس كما يقع للآخرين حين يغادرون دين ابائهم ويعتنقون دينا آخر، وأن عذاب تمرغه في الفراش قد خفت نسبته في الآونة الأخيرة مع اقتراب تاريخ يانصيب النافيداد، وأنه إذا فاز بحظ الصبية الملاك سوف يدخر كل جهده في مساعدة الفقراء وفي كل العالم وليس فقط فقراء قريته وأنه لن ينشئ لا مزارع تستغل العباد ولا هم يحزنون، بل سيعمل على بناء الدور الخيرية ونشر المحبة بين بني البشر على اختلاف مشاربها، وأنه سيعمل على إقناع أهل دولة مكة بفعل العمل الخير في سبيل البشر دون تمييز كما تعمل دولة الفاتيكان، عوض توزيع مدخراتهم المكية في صنع اتباع لهم كما أنه سيعمل على تقريب وجهات النظر بين الديانات لصالح البشرية جمعاء.
وصل تاريخ النافيداد ولم يتحقق شيء من حظ الصبية، لكن آمو هذه المرة لم ينفعل للأمر، بل تشبع بروح القدس كما قال وأن حظه في حلم الصبية كان كل هذا التحول وأنه لن ينتظر قرعة الثمانية عشر شهر، لأن حلمه تحقق في هذا التحول، لقد انطوى على نفسه كثيرا في الآونة الأخيرة، ولم يعد يقابل أصدقاءه، وبدا زاهدا في كل شيء، لقد زاد وزنه كثيرا وتكتلت شحمته أكثر، وبدا سرابه اكثر تكتلا حوله، وكان غالبا ما يركب سيارته متجها إلى أعلى قمم النيفاضا ليستمتع ببرودة الطقس فيها وينزوي بين صخورها ومنتجعاتها متأملا سحر الطبيعة وبديع خلقها، وذات يوم بينما هو هناك، عصفت في المنطقة عاصفة رعدية وأشعلت حرائق بالغة بالغابة، وقيل أن سيارته وجدت هناك محترقة وأن صاحبها لم يعثر له على أثر. فاعتقد جيرانه انه رفع، ولما مر أسبوع خرجت وسائل الإعلام المحلية تتكلم عن وجود بقايا لجثة محترقة بالمنطقة، وقالت بأن صاحبها قد صعقه البرق في تلك العاصفة. اما جيرانه الطيبون فقد أثرو أنه رفع لأنه إنسان نير والبرق نير أيضا فهو إذاً قد رفع وليس قد صعق كما جاء في قصاصات الأخبار، ثم إن العواصف الرعدية لا تحصل عادة في فصل الشتاء بل في فصل الصيف.
El Ejido 12/08/2011ــ لن تستطيع رؤيتي من بعيد في هذا الصيف اللعين، لأن جسمي ينشر حوله غمامة من السراب، أحيانا لا أستطيع ان أرى مؤخرتي رغم حجمها الكبير، جسمي مقرف بشكل لا أستطيع التنقل في الحافلات، الكل يخاف أن أذيبه بشحنة سرابي المنبعث من جسمي، غيمة قوية من الحرارة، وكلهم على حق، لذلك تراني لا شيء أيضا، لا أستطيع العمل، وأكره كثيرا هذه البلاد اللعينة كما أكره بلدي الذي ضاق بي، انا أمقت نفسي فكيف بالناس رغم أنهم طيبون ويوثرون الحفاوة في استقبالي، رأتني سيدة ذات ليلة يشع مني نور قالت بأنه نور القديسين، حسبتني المسكينة قديسا، وانا أعرف أن ماشيعته عني عند كل معارفها كان خرافة، من يومها والناس، الجيران الطيبون، يأتون لزيارتي والتبرك بكراماتي، أما أنا فأعرف ان عظامي وكثلة جسمي قد شحنتهما شمس النهار وفي الليل يخرج من جسمي حرها على شكل شعاع، ولا أعرف أي معنى لقديس كل همه انه يتكوى بذاته ومن خلالها ويتمرغ في فراشه ولا ينام، ومن يومها أيضا نصحني الطبيب بأن أصحب إلى فراشي هذا البرميل من الماء حتى لا تشتعل النيران في بيتي ويقذفني رجال المطافيء، ها أنت الآن يا صديقي العزيز تعرف حقيقتي: جلي كتلة من السراب فلا تفضح احترام الجيران لي وتضيع علي عيشي، فالناس تأتي لتكميد أوجاعها بلمسة مني ويقولون بأنهم يتعافون، وانا صراحة لا أعرف ماذا يجري في الأمر ولا كيف هم يتعافون.
أحيانا يذهب لينام في السطح ويصحب برميله إلى هناك رغم أنه لا يشرب كثيرا كما في البيت، قال بانه يفعل ذلك لكي يطفيء حرارته حتى لا تتسبب في انبعاث شعاعه وتأتي هذه المرة صحافة الدنيا لتبشر البشرية باليوم المعهود
وفي السطح كان يحظى بقليل من النوم، فهو لا ينام باكرا والشمس تطلع باكرا في الصيف ولا يستطيع أن يبقى طويلا ليتشحن جسده او يتعرض لسلع هذه المخلوقات الصغيرة التي تفيق باكرا وتزعج اذنيه، يكره الشمس كثيرا، حتى صديقته التي كانت يوما ما مفتونة به، وتصدق هي الأخرى أنه قديس بسبب آخر كان يتعلق بيومها الأول في مضاجعته، كانت عند الإنتهاء قد سقطت مغما عليها، وكان هو يعتقد بأنها القوة الفحولية الجنسية الإفريقية، وكانت ما أن تستفيق من غمائها حتى تعاوده مرة وثانية وثالثة ورابعة و.... وكانت كل مرة تسقط مغما عليها، تستفيق وتقول له: «أنت ماتشوا حقا» (يعني أنت فحل) ولم تكن تعتبر ذلك إغماء بل كانت تراودها أحلام جميلة، كانت تشعر بإحساس غريب، كانت ترى نفسها تطير عارية بأجنحة خفية، يقول حمو أو آمو كما يناديه الجيران الطيبون، بأن صديقته هذه جاءته يوما بخبر غير مفرح، وبسببه فكر كثيرا في الإنتحار، قالت له اللعينة بانها لا تطيقه صيفا بل هي تفضل أن تعاشره فقط أيام الثلوج في فصل الشتاء، ولذلك تراه المسكين عاكف طوال السنة بشكل يجعل الناس يعتقدون حقا أنه قديس زاهد، وبسبب من هذا ألغى كل علاقة مع عشيقته وأسقط شرطها، قال: «أيهايǃ تأتي فقط في الثلج كي تتدفأ مني، كم هي انانيةǃ ».
«ــ الليل هو أجمل الظاهرات الطبيعية عندي، فيه وحده أستطيع أن انام قليلا، ياهǃ، كم هو جميل حين يقترب الفجر، يكون باردا ومنعشا في نفس الوقت وفيه انام أحسن نومي وتكون الاحلام فيه أيضا جميلة، جاءتني ذات ليلة صبية جميلة وعجيبة في نفس الوقت، قالت لي بأن عمرها ثمانية عشر، ونسيت لغبائي، لمخي السجين تحت كثلة الشحم ان أسألها هل هي ثمانية عشر يوما أو أسبوعا او شهرا، كانت تحبوا وكانت تتكلم بفصاحة الكبار، تعرف أنها امرأة وتفهم أنها مقبلة يوما ما على الزواج وتعرف كل شيء عن ولادتها والطريقة التي جاءت بها إلى هذه الدنيا، وأغرب ما في الأمر أنها لا تعرف أمها وكان وضعها في المقام كما لو جاءت لأتكفل بها، وفي الصباح جاءت إحدى زبوناتي كي امسحها، يقصد تدليكها، وحكيت لها الحكاية فقالت بأن الأنثى في الحلم تمثل الحظ، وأن يوم ثمانية عشر هو يوم حظي، وجاءت لتتكفل بها يعني سيأتيك الحظ في اليوم المعلوم هذا وتكفل به هو يتكفل بك، ولما سألتها عن اليوم المعلوم هذا قالت بأنها لا تدري ويتوجب علي أن أحسبه بنفسي، قالت هذا وذهبت متمنية لي حظا جميلا ومفطنة لغبائي وقلة نباهتي مع الصبية الفصيحة، ومن يومها أصبحت عالما في علم الإحتمالات والحساب الرياضي.»
بدأ آمو حساب الإحتمالات من يومها، حسب الجمعة الثالثة يوم حظه باحتساب الأيام الثمانية عشر يوما من يوم حلمه ورأس السنة الميلادية يوم حظه باحتساب ثمانية عشر أسبوعا من يوم حلمه وأواخر شهر فبراير ومارس من السنة الثانية شهر حظه باحتساب ثمانية عشر شهرا، وهنا توقف الحساب عنده لأن الصبية لا يمكن ان يكون لها سن 18 سنة وهي تحبوا وتحتاج رعاية وكفالة، والحظ الذي سياتي بعد هذه المدة هو حظ منكوس بلا شك، لأن آمو سيتقدم به السن وسيبلغ الستين حيث، ومع كثلته الجسمية، لن ينفعه الحظ أثناءها.
كان يوم الجمعة يناسب قرعة يانصيب الأورومليون في اللوطو الأوربي، وكان مناسبة جيدة للتأكد من حظه رغم أنه كان يكره جيدا لعبة اليانصيب هذه، وتذكره بأيام البؤس التي عاشها في مدريد، حين كان يقامر ببضع من بؤسه لعله يطير فجأة ويتحول كما في المثل المغربي: «من لحمارة ل. الطيارة » (ويقصد به هذه القفزة الصاروخية للشخص حين يغتني فجأة) وحدث أن طلعت له ستتة أرقام المطلوبة في يانصيب البريماتيفا وتؤدي إلى الجائزة الكبرى ولم يصدق عينيه، كان قد شعر خلالها بروح عارمة تطلع في أحشائه، وتراجع خطوات إلى الوراء ليتأكد من الأرقام، وكانت صحيحة، ثم بدا يشعر بخطورة الموقف ورأى أن يخفي فرحته حتى لا يثير فضول الناس، وهو يعرف كثيرا من القصاصات حول اللوطو، جرائم قتل وتجار تبييض الأمول والمخدرات الذين يطمحون إلى شرعنة ممتلكاتهم المالية، فأن تكون في حوزتك ستة أرقام، يعني أنك تملك شيكا بمبلغ كبير، كبير جدا، تراجع آمو إلى الوراء وفكر أن يتمهل قليلا حتى يخف الناس، لديه أجل شهرين لتصريف أرقامه، فلما العجلة المثيرة للناس وهو مهاجر قد يحسده أحدهم كما وقع للإكواتوري الذي قتل بسبب أرقامه، ثم ماذا؟ ماذا لوأعطى هذه الأرقام لصاحب المحل ونكره، فالزحمة تغطي رؤية الكاميرا القائمة في زاوية المحل، والجيفة هذا قد يسرق أرقامه ويبدلها بأرقام أخرى، لذلك فكر آمو أن يأخذ مساحة من الوقت فهو الآن قاب قوسين أو أدنى سيملك الدنيا، وعلية فقط أن يعرف كيف تدار الامور، فصاحب محل اليانصيب لا يستطيع أن يدفع المبلغ وقد جرب الأمر حين فاز بالف يورو في الكينيلا (يانصيب يعتمد على نتائج الفرق في كرة القدم) حيث ارسله صاحب المحل إلى بنك خاص، لذلك فكر مليا أن يذهب إلى نفس المؤسسة بأرقامه ويعلم أن البنك يتوفرعلى قائمة كامرات معدة للمراقبة ولا يستطيع اي موطف فيه إنكار فوزه، ذهب إلى المؤسسة هذه وحين وصل دوره همس إلى الموظف قائلا لقد فزت ب"البوتي" في الياتصيب وأريد صرفه، أخذه الموظف مباشرة إلى المدير ليناقش معه الإجراءات وبعد اخذ ورد واتصالات عبر الهاتف بأصحاب اليانصيب أخبره بأن الأرقام غير صحيحة وأن البوتي لهذا الأسبوع لم يبلغه أحد حسب المعطيات التي لديهم وبالتالي سيضاف له رقم أعلى في الأسبوع القادم، صدم آمو في الأمر، نزع ورقة الأرقام من يد مدير المؤسسة وهرع إلى صاحب محل اليانصيب، كان في حالة هوس شديد: كيف لهذه المؤسسات القانونية أن تتلاعب بنتائج "البوتي" وانا أخذت الأرقام الفائزة في ورقة لكي أتأكد من صحتها على مهلي وهذا اللعين يقول لي بأنها ليست صحيحة. في الميترو أخذ الخط الذي يؤدي مباشرة إلى الساحة التي يتواجد بها صاحب المحل، لكن بهوسه الشديد اخذ الخط عكسيا ولم ينتبه إلى الأمر حتى وصل المحطة الثالثة التي يفترض أن تكون باب الشمس مركز العاصمة الإسبانية، عندها توقف واخذ يعترف لنفسه كما لو مسه جن، فهو لم يتصرف في حياته بهذه الطريقة العكسية، بدأ يتذكر كيف دخل بوابة الميترو ولم يتأكد من وجهته مع انه يحفظ تماما كل محطات الميترو، فبفضل البطاقة الشهرية التي منحته إياها إحدى الجمعيات الخيرية التي تتكفل بالمهاجرين، للتنقل عبر أنفاق الميترو، وكونه لم يحظى بفرصة شغل بسبب من وضعه اللاقانوني حينها، فقد كان يتجول طولا وعرضا في مدريد وضواحيها.
وصل اخيرا إلى صاحب المحل وتقدم إليه قائلا: «لقد فزت بالبوتي وعندما ذهبت إلى المؤسسة البنكية أنكروا علي الأمر» ، نظر إليه مليا ثم نظر إلى الورقة التي فيها أرقامه التافهة ثم رد عليه قائلا:
ــ أيها اللعين القذر، أنت تلعب في البريماتيفا وفي البونو لوطو ، هذه الورقة للبونو لوطو وليس بريماتيفا أيها الغبي، لقد أضعت الفوز، كان عليك ان تلعب على نفس الأرقام في البريماتيفا أيضا، كم انت سيء الحظ
أخيرا تنبه آمو إلى أن أرقامه المحظوظة كانت في محل غير محل الفوز، سخر من نفسه كثيرا ومنذ ذلك الحين اعتزل لعبة الحظ هذه. لكن هذه المرة جاءه الوحي من جديد، صبية في عمر الثمانية عشر المبهمة، والمرأة صاحبة تفسير الحلم الغريب أخبرته بأن الصبية في الحلم تمثل الحظ الكبير والمبهم في نفس الوقت، وغباءه المشحم بكثلة جسمه لم يسألها في حلمه عن أية ثمانية عشر تتكلم، ولم يبقى له سوى أن يلعب على كل الإحتمالات التي يوفرها هذا الرقم اللعين، وسيقرر أن يلعب على أرقام لا تتعدى سقف 18 ، وبما ان يوم الحظ في الإحتمال الأول هو يوم قرعة "الأورومليون"، أي يوم الجمعة، يوم المسلمين، كان احتماله قويا بالفوز في ذلك اليوم، وتأكيدا لمرضاة الله اختار أن يبدأ من الآن في الصلاة وأن يتحلى بالخلق الإسلامية الحميدة لعله يستجاب لحظه، لقد اشترى نسخة من القرآن وبدأ يزور المسجد كما امتنع عن الرذائل الأوربية كشرب الخمر واكل لحم الخنزير ولحم حرام وما إلى ذلك من الممنوعات والمكروهات عندنا، لقد اختار ارقام الحظ ليوم الجمعة بعناية كبيرة فوضع في النجمتين المطلوبتين رقمي واحد وثمانية ثم خمن إلى طريقة مثلى لوضع الأرقام الخمس المتبقية وهي أن تكون عن طريق الصدفة تماما كالحظ وليس عن طريق الإختيار على أساس ان تكون محصورة فقط من واحد إلى ثمانية عشر، ورغم أن الفكرة غير مقنعة إلا انها تمثل أرقام حلمه، وكانت الطريقة الصدفة كما رأى هي أن يغمض عينيه ويوقع القلم في مربع الأرقام، وكانت عملية الإقاع غالبا لاتصيب الأرقم في حدود 18 ثم حدد مربعها ليوقع من جديد قلمه ومع ذلك كان قلمه غالبا أيضا يخطيء في تحديد الرقم ويقع في الفراغات بين مربع الأرقام، ومع ذلك ثابر حتى وصل العدد المطلوب لينتظر يوم القرعة الذي سيكون حافلا بدون شك، خبأ ورقة المراهنة بعناية وقرر أن لا يخبر أحدا حتى لا يفشى السر لأن الحظ حساس لدرجة لا يحتمل الإفشاء، هكذا تعلم الأمر حتى من والديه، أن يحفظ حظة لكي يتوفر له ، في الجمعة تهندم بلباس تقليدي مغربي، جلباب أبيض، بلغة (حذاء مغربي تقليدي) بيضاء وكل شيء أبيض ماعدا شعره، بدا كعريس مغربي تقليدي ولما لا وهو سيزف نفسه للحظ السعيد، او الصبية الجميلة والفصيحة، كان متيقنا من حظه بنسبة كبيرة فالصبية بريئة ولا تعرف الكذب والمرأة مفسرة الحلم جدية ولها من التجربة ما يحقن تاريخها بشكل تكون قد عاينت حظ الصبايا من النساء ملائكة الحظ، حتى والدته كانت تدعو له دائما بامرأة تدخل العز إلى بيته، وهو نفسه ليس إنسانا سيئا رغم يقينه أنه فرّط كثيرا في دينه، فهو مسالم وعطوف وليس حسود ويلبي الحاجة إذا كانت بيده ومضياف وكريم، بل كان أحيانا يتسامح مع زبنائه في أداء واجب البركة في مصحته بالبيت الذي يقطنه... ومنذ يوم مراهنته وهو يفكر في الأعمال الخيرة ويقبل على فعل الحسنات ويفعل مايصلح أجره و ينفعه وينفع اهله واصدقاءه، كان يفكر أن ينشئ استثمارا بقريته التي تضاحي الجبل لينقذ جيلا من ابناء قريته المعطلون، كانت فكرة رائعة ومستحسنة أن يفعل شيئا لمنطقته، ثم بدأ يرسم في مخيلته تضاريس المنطقة ومزارعها المنكمشة والتي تعود إلى أهل القرية، مزاريع صغيرة تنتج البؤس، فكر في أن يشتريها ويصلحها ويقيم فيها زراعات عصرية ذات مردودية وفعالية وتقوم على تشغيل أبناء هذه المزارع نفسها، فهو يقيم في أوربا، وبمستطاعه عقد اتفاقيات عمل لتسويق منتوجاته وبذلك يستطيع أن يضمن تسويقا بأسعار أوربية كما يستطيع أن يؤدي أجورا للعمال من أبناء القرية مرتفعة كما هي في أوربا مع بعض الفارق الذي يفرضه النقل والتبريد وما إلى ذلك، تخيل نفسه باطرونا ودودا يتسامح حتى مع سرقات العمال الصغيرة كأن يتجاوز عنها إن سمع بها وان يوبخ إذا ضبطها بنفسه فهو يجب أن يكون صارما في طلعته لكن حنونا في عمقه، فكر وفكر طويلا في الأمر طيلة الأيام المتبقية للقرعة، ثم أخيرا تنبه إلى شيء لم يكن في الحسبان، فكر في أن ذلك سيؤزم الوضع أكثر عكس أحلامه الجميلة، فكر بأنه بذلك سيفقد أهل القرية المزارعين كل ما يملكون، ومع ان الأعمال بالنيات فإنه يحتمل أن بعضهم لن يبيع بؤسه، وعلى الأرجح ستكون مزارعه التي ينوي اشتراءها مشتة ولا تصلح للأعمال كما يتصورها وقد يدفعه شيطان الأعمال إلى مضايقة أصحاب المزارع الأخرى، ثم توقف عن الأمر مكتفيا بالقول عندما أفوز سيكون محللها الرزاق العظيم اما انا بعقلي هذا الجاثم في شحم جسدي فلا أظنني أملك جادة الصواب، كيف لعقل مطبوخ بحرارة جسم يحمله ان تأتيه الحكم، ولماذا لا يساوم هذا العقل مع صاحب مزرعة البقر البدين أيضا مثلي أو اكثر والتي تحاصرمزرعته الكبيرة القرية بمساحات شاسعة وهي أصلا من اراضي الجموع لأهل البلد، وكان هذا الملاك قد استولى عليها إبان فترة الإستقلال، ولا يشغل من أهل القرية إلا بواب المزرعة وعساسها لأنهما وحدهما يعرفان كل القوم بالقرية الذين لا يستطيعون التجرأ على بعض السرقات الصغيرة، تساءل آمو لماذا لاتكون له هذه المزرعة باعتباره من أهل البلد ويستطيع شراءها بمال الأورومليون نفسه، أقصد بمال أوربا التي تسببت في فقدانهم لهذه المزارع، على الأقل سيستعيد الارض بمالهم ويقيم منشآت زراعية تنافس مزارع الأوربيين وبأموالهم نفسها. لقد فتح الأورومليون شهية آمو بشكل عجيب، فهو الآن رجل اعمال وفي نفس الوقت سياسي واقتصادي معصوم ومحنك ويفهم جيدا السياسة الجديدة للدولة فيما يخص الجهوية او الإقتصاد المندمج، لم يكن في حياته يهتم بشؤون الإقتصاد والسياسة وهو حتى الآن لا يدرك بعفويته السمجة أنه يشرع لفهم جديد في الإقتصاد أو السياسة، فهو منذ حط قدميه في أرض الأورمليون لم يفكر في البلد إلا فيما يحقق بعض نزواته، زواج من صبية تصغره بمسافة جيل، سيارة فاخرة ورحلات سياحية يفاخر بها أصدقاءه ممن يتحدثون عن المنتجعات. لقد قرر منذ حلمه أن ينزوي بنفسه وأن ينظر في صلاحه وصلاح قومه، أغلق مصحته للتدليك أو التبرك لا أدري وأخبر زبناؤه أنه قديس مودرن، يتمتع هو الآخر بعطلة للإستراحة وهو أمر مقبول لدى الأوربيين.
مر يوم الجمعة ثقيلا جدا عليه، لقد حاول أن يشغل نفسه بالصلاة والدعاء إلا أن امور السياسة والإقتصاد غالبا ماكانت تطفو لتقطع زهده، وكان كل مرة يستعيد بالله من الشيطان كي يتركه لزهده، وبقي على هذه الحالة حتى ساعة الصفر حيث ستعلن النتائج على الساعة الحادية عشر ليلا، لكنه فضل الإنتظار حتى تنشر النتائج في النيت، وبعد ساعة من ذلك فتح النيت ليجد نفسه قد ربح جزءا من حظه، لقد أصاب في النجمتين ورقم وحيد فقط وكان المبلغ بئيسا جدا هو نفسه تقريبا المبلغ الذي دفعه في الرهان، إثناعشر يورو، لقد حزن كثيرا بشكل حمل برميل الماء وصبه على جسمه حتى لا يشتعل سرابه من جديد، وبعد لحظات سمع طرقات سريعة على باب شقته،، إنه الجار في الشقة تحته جاء ليسأله عن سبب الماء الذي يقطر عندهم ولما رأى آمو يتصاعد منه بخار الغليان اكتفى بالإطئنان عليه وتذكر إشاعة الجارة التي رأت نور القدوس على جسم آمو.
لقد دخلت أرقام أخرى تحت سقف 18 في الفوز لكن ليست تلك التي اختارها قلمه بشكل عفوي.
عرف آمو الآن أن الأرقام التي دخلت كانت تحت سقف 18 ، وعلم أن النجمتين واحد وثمانية كانتا في محلهيما، وهو مازاده إيمانا بصدق الصبية وما عليه الآن سوى أن يعرف ماذا تبقى له، فهو يعرف أنه لم يدرس جيدا شفرة الصبية الذكية، كما يعرف أيضا أن مشكلته كانت في مخه المشحم، وأن سبيله إلى الفلاح والفوز هو أن يعرف كيف يقرأ شفرة الصبية غير المشحمة والذكية بامتياز وكيف يحلل رموزها، لقد خسر رهان 18 يوم لكن بقي له رهانا 18 أسبوعا ورهان 18 شهرا، رهان الأسبوع كما أشرنا سابقا يصادف أعياد الميلاد وهي أعياد مسيحية ليست كعيد المسلمين، وكان زهده الإسلامي قد أبقى له الأمل بحيث لم يخسر كل شيء، لكن بقي تساؤله الكبير هو كيف سيتعامل مع قرعة النافيداد الإسبانية، وهي قرعة بطقس مسيحي رغم أنها لا تستثني أحدا في المشاركة فيها، وهي أيضا، الإحتمال بالفوز فيها أكثر من احتمال الأورو، لأن يانصيبها متعدد الجوائز ويفوز فيها الكثير من الناس والكثير من الجهات في إسبانيا، وبدأ يتساءل عما إذا كان عليه أن يعمد إلى الطريقة نفسها مع عيد الجمعة ويدخل جمجمته في زهد آخر بطقوس أخرى، هل سيتزعزع إيمانه من كونه رجل مسلم إلى رجل مسيحي وتنطبق عليه صفات القديس التي أطلقته عليه جارته المسيحية حين رأته يشع بالنور كما قالت وحيث بفضل إشاعتها فتح مصحة التدليك المباركة التي بها يعيش بدنه الثقيل، لقد حاره الأمر كثيرا بشكل بات يلوم مخه المثقل بالمشحمات على قصور نباهته إلا أنه غالبا ما يعود متسامحا مع ذاته ليقول: لا، لولا بدانة جسمي هذا لما اختارتني الصبية الذكية، فكفالة طفلة يتطلب شخصا ثقيلا ورزينا وحنونا مثلي.
يباع يانصيب قرعة النافيداد شهرين او ثلاثة قبل القرعة، وفي الفترة التي تمتد من يوم الجمعة إلى اليوم الذي فيه سيستعيد آمو نشاطه السياسي، كان قد حاول أن ينسى الصبية وشفرتها المعقدة، لقد ترك الصلاة لأن جسمه البدين لايقدر عليها، فهو كان لا يستطيع أن يجلس القرفصاء وهو يستمع للإمام يخطب أكثر من ساعتين في الجمعة، ويقول بان خطبته تبلغ فيه التثاؤب مبلغا ويميل إلى النوم عوض السماع، وكان يبرر سلوكه هذا كون الصلاة يقيمها بطريقة ذهنية اكثر من الحركة الجسدية، والحقيقة أنه كان يصلي بطريقة أخرى تماما، كان يلوم قدره على جسامة بدنه ويحاسب نباهة مخه الثقيل الذي لا يحسبها كالآخرين، عاد يشرب الخمور وياكل لحم الخنزير ولحم حرام مبررا ذلك بكون الأكل والشرب تدخل ضمن ثقافة الشعوب التي يجب احترام عاداتها كما هي تحترم عاداتنا أيضا، وأنه لو ولد في الصين مثلا لكان أيضا من ملتهمي الكلاب والضفادع وليس الخنازير فقط، كما كان يذكر أصدقاءه من بلدته بأنهم من اكلة الذئاب والثعاليب والقنافيذ وهي عند شعوب أخرى محرمة، وأن الامر لا يتعدى كونه ثقافة في الأكل لا أكثر.
بدأ يتهيا نفسيا لاستقبال الدين الجديد، وبشكل غير شعوري او غير واعي، بدأ يثور على عاداتنا وتقاليدنا وطرق تفكيرنا البليدة، فصورة أحد المشرفين على مسجد مدريد لا تفارق عقله عندما التجأ إليهم يطلب مساعدة، وكان ذلك في صباح مثلج وصاقع ، كان قد نزل لتوه من سيارة أحد معارفة الذي اشترط عليه أن ينزله بالقرب من المسجد ويتدبر أمره لنفسه ووافق آمو على الأمر معتقدا أنه سيصادف أحد الكرماء بالمسجد ويساعده في تدبر أمره، لقد قصد مدريد لما سمعه عنها من وجود فرص للشغل وسعة خدماتها الإجتماعية على عكس عاصمة الزيتون "خاين" التي غادرها والتي لاتوفر بعض خدماتها للمهاجرين إلا في وقت. موسم جني الزيتون. تقدم إلى المسجد وهو يرقص بردا، لم يكن يعرف أن مدريد صاقعة في فصل الشتاء بهذا الشكل، وكان حذاءه يمرر بكل سيولة كل هذا الجليد الذي تختزنه مدريد، وكان بباب المسجد شخص بلباس رسمي، حيث تقدم إليه آمو ليخبره بحاله ويطلب منه مساعة في اقتناء الميترو إلى جهة معينة، وكان رد موظف المسجد هذا بلكنته المشرقية أن سأله عما إذا كان قد توضأ أم لا ولما أجابه آمو بأنه لا يصلي أصلا حتى يتوضأ، وبخه هذا الشخص واشار عليه بأن يذهب إلى الحمام ويتوضأ ثم ينتظر الناس حتى تكمل صلاتها في الصباح الباكر هذا ويسألهم طلبه، نظر إليه آمو فيما يشبه الإستغراب، نظر إلى الحمام حيث يتوضأ الناس ثم نظر إلى وجه المشرف متمتما بهمس : ستتجمد خصيتي في هذا الصقيع الذي تدعوني إليه أيها الغبي، وداعا أيها المومن بالله،، تراجع آمو وراء، ومنذ ذلك الحين نسي وجود هذا المسجد بمدريد.
بدأ آمو ينتقد أعمال المسلمين، ويقول بأن دولة الفاتيكان تدعم الأعمال الخيرية في كل بقاع المسيحيين حيث أوربا الغنية بخدماتها تجد فيها أيضا مطاعم مجانية بإشراف المسيحيين، ويوزعون الملابس والأحذية على كل البشر بدون تمييز وينشؤون الملاجيء للإختباء (البيركي) من صقيع مدنهم الثلجية، وكانو في السنوات الماضية يمنحون بعض المساعدات المالية للمعوزين لأجل التنقل بحثا عن العمل في مدن أخرى دون مساءلة حتى ظهرت عند المعوزين بعض الحالات التي تستغل التذرع بالسفر لاقتناء ثمن تكرة السفر منهم ليشتروا بعض الأقراص والحقن التخديرية، ولما انتبه القائمون على الكنائس وهذه الملاجيء إلى خدعة هؤولاء بداوا يمنحون بطاقات السفر بدل المال، اما دولة مكة التي يلجأ إليه ملايين المسلمين وينعشون اقتصادها في الحج ويذبحون اكثر من مليون كبش هناك، فلم نرى منها معلبات لحم توزع على الفقراء ولا مصانع أحذية من تلك الجلود التي يتركها الحجاج هناك، او ألبسة من صوفها كما يفعل المسيحيون، ولا يبنون حتى مساجد التعليب لجاليات مسلمة هنا وهناك، فقط مهوسون بالوضوء وصلاة الزواحف الصغيرة، أموال المسلمين في مكة يتبرع بها فقط لصناعة المذاهب الذيلية والرعب الجهادي وتغذية النعرات الفقهية وإلقاء خطب تافهة مكررة وممضوغة وتشرف عليها الحكومات السياسية، تكرس الحاكم حاكما بالمطلق والخاضع خاضعا بالمطلق والإمام إماما حتى ينتهي عمره وكل شيء عندنا بالمطلق. فأموال مكة اكثر بكثير من أموال الفاتيكان بدليل مدخرات الحج وحده دون الحديث عن الحج الآخر ومع ذلك فجهاد الفاتيكان أكثر فعالية من جهاد مكة واكثر قربا من الناس بسماحتهم ومساعداتهم الإنسانية، فهم لا يفرضون زيارة الكنائس ولا طقوس الوضوء ولا يسألونك عن دينك، بل هم يصنعون القدوة بالعمل الصالح ويتركون لك حق التصرف وإذا اظهرت تعاطفا معهم يستقبلونك في مجامعهم وبكل نجاستك. قارن اعمال الصليب الأحمرعندهم بأعمال الهلال الأحمر في المغرب ستجد الفرق شاسعا وهي مؤسسات تنتمي إلى نفس الجهة عالميا، لكن خدمات الصليب الأحمر أكثر اداء في عملهم وفي خدماتهم من هلال البؤس عندنا. وأغرب كيف يفتخر الناس بدين يعطونه أكثر مما يأخذون منه، وأتساءل أحيانا، لماذ يتصدق المسلمون وفقراءهم لا يلقون شيئا من صدقاتهم
كان آمو كلما اقتربت قرعة نافيداد كلما كبرت ثورته ضد الإسلام، وكلما اطمأنت نفسه أيضا لصحبة المبشرين بالمسيحية وهم قد أغنوا مكتبته بكتب الإنجيل ودروس الوعظ وهي كتب مجانية مدعمة بصور رومانسية ولا يدفع فيها كما يدفع لشراء نسخة القرآن، بل حتى القرآن لم يسلم من نقده وهو يقول بأن بعض المصاحف القرآنية أغلى بكثير من التحف التاريخية رغم أنه فقط كتب بالخط الفولاني أو الخط الفرتلاني الذي لا يفهمه عامة الناس: «حتى قرآن القنصليات المغربية، النسخة المجانية الوحيدة التي رأيت في حياتي من القرآن، وتمنح للجالية المغربية بشكل زبوني، هي أيضا مكتوبة بخط الزراويط المخيفة وبأحرف قديمة، القاف فيه هي الفاء الحالية والتاء المبسوطة أو الهاء قائمة الضهر لا تبالي بالكلمة والنون بحجم إناء ولا ندري لماذا يكتبون هذه النسخ بهذا الشكل المنافي لروح العصر مادام عامة الناس قد درسوا هذه الأحرف بلغة اليوم كما تكتب الآن. إنهم يخلقون التعجيز في كل شيء، فهم ضد الترجمة لأنها تنقص من إعجازه، وهم أيضا يعمدون إلى التعجيز حتى في قراءته ليبقى الأئمة الأغبياء وحدهم من يقرأوه، ووحدهم من يفهموه للناس تحت إشراف الحكومات طبعا».
لقد تحول آمو بقدرة قادر إلى رجل لاهوتي ناقد وتثور بشكل غريب يشبه إلى حد ما ثورة سان أغوسطين القرطاجي الأصل والشهير والذي يملأ اسمه كل شوارع المدن الأوربية، حيث ثار على تدينه بالماسونية القديمة واعتنق المسيحية، وهاهو آمو ايضا بدأ يتحول تدريجيا إلى قديس ليثبت نبوءة المرأة التي رأت النور يشع من جسده، وهاهو آمو الذي اعترف في السابق بأن شعاعه هو ناتج عن تشحينه في النهار أصبح الآن يتحول إلى تأكيد قدوسية شعاعه ويؤكد أن تخمينه السابق حول نفسه لم يثبت علميا حتى الآن وهو ما يؤكد قدوس شعاعه وأن تشحمه وبوادر ظاهرة السراب التي اقتنع بها لم تكن سوى بوادر أولية وجنونية لتفسير ما وقع له، وان ذلك يحدث مع أي شخص لا يعرف تفسيرا لظاهرة ما حين تطفوا لأول مرة، وانه سمع من خلال علاقته بالمبشرين الكثير من الحكايا التي تؤكد الظاهرة التي وقعت له، وأن المبشرين متمسكون به اكثر عندما سمعوا بشعاعه، وانه يشعر براحة ضمير بسبب تحوله وليس العكس كما يقع للآخرين حين يغادرون دين ابائهم ويعتنقون دينا آخر، وأن عذاب تمرغه في الفراش قد خفت نسبته في الآونة الأخيرة مع اقتراب تاريخ يانصيب النافيداد، وأنه إذا فاز بحظ الصبية الملاك سوف يدخر كل جهده في مساعدة الفقراء وفي كل العالم وليس فقط فقراء قريته وأنه لن ينشئ لا مزارع تستغل العباد ولا هم يحزنون، بل سيعمل على بناء الدور الخيرية ونشر المحبة بين بني البشر على اختلاف مشاربها، وأنه سيعمل على إقناع أهل دولة مكة بفعل العمل الخير في سبيل البشر دون تمييز كما تعمل دولة الفاتيكان، عوض توزيع مدخراتهم المكية في صنع اتباع لهم كما أنه سيعمل على تقريب وجهات النظر بين الديانات لصالح البشرية جمعاء.
وصل تاريخ النافيداد ولم يتحقق شيء من حظ الصبية، لكن آمو هذه المرة لم ينفعل للأمر، بل تشبع بروح القدس كما قال وأن حظه في حلم الصبية كان كل هذا التحول وأنه لن ينتظر قرعة الثمانية عشر شهر، لأن حلمه تحقق في هذا التحول، لقد انطوى على نفسه كثيرا في الآونة الأخيرة، ولم يعد يقابل أصدقاءه، وبدا زاهدا في كل شيء، لقد زاد وزنه كثيرا وتكتلت شحمته أكثر، وبدا سرابه اكثر تكتلا حوله، وكان غالبا ما يركب سيارته متجها إلى أعلى قمم النيفاضا ليستمتع ببرودة الطقس فيها وينزوي بين صخورها ومنتجعاتها متأملا سحر الطبيعة وبديع خلقها، وذات يوم بينما هو هناك، عصفت في المنطقة عاصفة رعدية وأشعلت حرائق بالغة بالغابة، وقيل أن سيارته وجدت هناك محترقة وأن صاحبها لم يعثر له على أثر. فاعتقد جيرانه انه رفع، ولما مر أسبوع خرجت وسائل الإعلام المحلية تتكلم عن وجود بقايا لجثة محترقة بالمنطقة، وقالت بأن صاحبها قد صعقه البرق في تلك العاصفة. اما جيرانه الطيبون فقد أثرو أنه رفع لأنه إنسان نير والبرق نير أيضا فهو إذاً قد رفع وليس قد صعق كما جاء في قصاصات الأخبار، ثم إن العواصف الرعدية لا تحصل عادة في فصل الشتاء بل في فصل الصيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق