أمضينا المساء في حي الجيتو بكثير من التحفظ، فإيزا، كانت تخيفها هذه الأحياء، ومع انه حي خليط من الغجر والمهاجرين، إلا أنه هو الآخر غريب في سكونه على خلاف الأحياء التي رأيتها بمدينة ألميريا بحي البوتشي،حيث معالم الحياة الهوليودية قائمة الذات، تتبادل فيه السلطة المحلية وعصابات المافيا الأدوار في ضبط الأمور، فالبوتشي يتميز عن جيتو الطوريمولينو بحيوية فائقة، تنوع الأشكال الهندسية للمباني، فيض بشري بنسبة عالية من المغاربة المهاجرين، مستشفى آيل بالنساء الغجريات ذات السمنة العالية،كنيسة للغجر المسيحيين ومسجد للمسلمين تتقوس قي بابه الأحدية التي لا يسمح بتركها ببهو البيت، ربما لأنها، وهو الإحتمال الأكبر، مصنوعة من جلد الخنزير، مركز اجنماعي نشيط في إعطاء دروس الإدماج، مركز ثقافي فارغ لا يأمه إلا الجردان الليلية، دكاكين تزهر وتذبل كل يوم، حيث يكفي المرأ أن يحدث ثقبا في حائط منزله ويعلن عن فتح دكان أو مقهى، دون مرقابة البلدية التي تقبل غالبا بالأمر الواقع وتمنح الرخص التجارية دون أي اعتراض، فالأحزاب الديموقراطية التي تتناوب على تسيير البلدية تعرف أن البوتشي مليء بفيض من البشر ينفع أثناء الحملات الإنتخابية، رغم أن السياسة البلدية لها طقوس أخرى لا ترتبط أصلا بمحيط البوتشي، بل حتى الخدمات العامة التي تقيمها البلدية لا تعبر حقيقة عن الإهتمام المرغوب، قمامات هائلة من المزابل، قطط شائعة وكلاب جائعة ربما تليق بالعناية الفائقة لصديقتي الألمانية التي انخرطت تطوعا لإنقاذ هذه المخلوقات التائهة ومع أن أحزاب الحي تتفهم الخصوصية الثقافية والإقتصادية لمجتمع الجيتو، إلا أنه، في كواليس السياسة فن آخر للتهميش، لكن أجمل مافي البوتشي حوادثه الهوليودية الحقيقية، فقد تجد نفسك ليلا امام مشهد حقيقي لتبادل إطلاق النار، وقد تجد نفسك أيضا في موقف حصار امني هائل بحيث لا يستطيع أحد ان يخرج او يدخل إلا بعد أن تتم عملية تفتيش هامة تضبط خلالها كميات هائلة من الحشيش، او الهروين او الكوكا، أو احيانا هي مجرد تفتيش روتيني إجرائي نتيجة إبلاغ كاذب او مخابرة غير دقيقة، واحيانا أخرى هي عملية لضبط مجرمين من نوع خاص تهمتهم انهم لا يملكون أوراق الإقامة الشرعية، وهي عملية روتينية عادية يكون الحصار الأمني خفيفا وموجها إلى نسبة معينة من المهاجرين، لكن الصفات المشتركة بين أحياء الجيتو هي هذه السيمات الرائعة للإندماج الحضاري:مجزرة حلال جنبا إلى جنب مع مجزرة حرام، حانة اسمها«باسم الله» جنيا إلى جنب مع حانة مريم العذراء، مفروشات لبائعين متجولين قد تكون مسروقة جنبا إلى جنب مع مفروشات غير مسروقة، والرائع في كل هذا، هذه الصفقات التجارية المهذبة عند اهل الجيتو كأن تشتري دراجة من النوع الممتاز، دراجة سباق مثلا بثمن مكعب حشيش، او أن يهديك أحدهم سيارته الجميلة فقط لرد دين صغير كأن توصل له بضاعة إلى مدينة أخرى وتعود منها والسيارة في ملكك، إنها بوادر تحفيز لاستثمار امكانياتك الهائلة المكمونة فيك إذا كانت لديك الإرادة الحرة، فالحياة في الجيتو سهلة وبسيطة وتحتاج فقط ان تكون صاحب مبادرة حرة وحقيقية، وأن تكون لك مصداقية حقيقية في التعاملات، فقد تصبح وكيل اعمال محلي لرجل عمل يقضي جل وقته في البحث عن أسواق وربما العكس، وكيل أعمال يدير الصفقات في الخارج دون ان يعرف عنك تماما الآخرون، كوكلاء الأعمال لدى حكومات الريع عندنا، وربما إذا كنت شاطرا وله إلمام بتقنية المعلوميات، قد تديرها من السرير من يدري، مقاهي الجيتو فارغة بشكل يومي على الرغم من اختلاف جنسياتها، لكنها على الرغم من الأمر فهي مربحة بشكل عجيب.
كانت إيزا تعرف الحي من سكونه، ومع هذا فهو يخيفها كثيرا، ليست كلوسيل الفرنسية التي تعرف كل التفاصيل عنه وتعرف بالتأكيد أنه محيط جيد للأعمال الحرة التي هي ميزة التجارة العالمية، في الجيتو كل شيء حر، الأعمال فيه تنتفي فيه ضرائب الجمارك وتداعيات الحماية التجارية، والناس فيه سواء أمام قانون الفوضى، حتى السرقات لها سوقها في الجيتو، والحنكة فيه أن تكون شاطرا فقط، أغلب سكانه يعرفون جيدا، وبشكل سافر القانون الجنائي، أحسن بكثير من رجال القانون المتخصصون، ويكفي المرء أن ينتسب إلى حي الجيتو ليحظى بكل الإحترام، سكانه متضامنون بشكل رائع، لا مكان للوشايات فيه، ولا مكان أيضا للتمايزات الطبقية، فالغني، البارون المحظوظ شخص محترم لكراماته، يجود حتى على المثقفون رغم أنهم لايفيدون في شيء في نماء الجيتو، يكون الرائع عندهم ان يصفوا في مقال صحفي مسطح شطط التسلط البوليسي حين يتعلق الأمر بتغطية لمداهمة ما تبرز تلك المسخرة الرائعة لانعدام الأمن، كأن تسفر المداهمة الأمنية على احتجاز ارانب صغار، صغار بشكل عجيب غالبا ما يثبت أنهم ليسوا المطلوبون ليكتفي القضاء الإسباني الرائد على المستوى الدولي في اعتقال رؤساء دول أجنبية مشهود لهم بالإبادة الإنسانية بجوقة إعلامية، هذا القضاء غالبا مايجازي هذه الأرانب بالإلتزام للحضور إلى المحكمة للإمضاء في أيام معلومة مقيحة بتسميتها «الأونو والكينسي » أي اليوم الأول من الشهر واليوم الخامس عشر لمدة سنتين أو أكثر والتي كما يبدو في اعتقادي أن اغلب سكان الجيتو مجبرون على هذه الإمضاءات رجالا ونساء. البارونات يجودون أيضا على رجال الدين ويحظون بذلك بصكوك الغفران وهم في الجنة خالدون. حتى المساجد محظوظة بهذه الكرامات ولا تستثنى فقط كنائس الغجر، وأعرف أشخاصا تبرعوا لبناء المسجد بالمنطقة مع امتناعهم الغريب في ذكر أسمائهم ومدى قيمة تبرعهم المدهش، لكن حين يصرحون لنا في لقاءات حانات «باسم الله» كما أشرت سابقا أستغرب لهذه السرية المجحفة رغم أن قيمة تبرعاتهم سرقت من طرف ذوات بعينها، ورغم أنهم يعرفون بالتمام الخالص كيف صرفت تبرعاتهم. كانت لوسيل الفرنسية مدمنة على الحشيش وكانت متعتها الرائقة في زيارة البوتشي هو أنها تستطيع بابتسامة فارغة ان تحصل على مادتها المفضلة رغم أنها طالبة لاتملك المال الكافي لحصولها عليها، وكانت تفضل معاشرة المغاربة رغم أن ذوقها الجنسي يميل كثيرا إلى الملامح الشقراء:
ــ المغاربة جيدون في الجنس لكن سحنتهم لا تروقني، هكذا كانت تقول دائما، المغاربة أيضا كرماء في الحشيش رغم أنهم فقراء.
اما إيزا فكان الجيتو بمثابة شيطان ساكن، حتى اكلاته الدسمة والرخيصة تشبه أكلات ماكدونالد عندهم، أكل للفقراء وغير صحي، ومع أنها لا حظت غير مامرة أن أكل ماكدونالد في إسبانيا هو أكل للأغنياء ولاحظت أن زبناءه من الأغنياء، إلا أنها لم تصدق الأمر:
ـــ هناك شيء ليس على ما يرام عندكم، هكذا كانت تقول إيزا التي وجدت إسبانيا مختلفة بشكل كبير عن بلدها واعترفت بشكل غير محتمل أن عنصرية الإسبان أكثر من عنصرية بلدها الذي حملت جنسيته. مع ان الأمر بالنسبة لي ليس سوى مجرد تخلف فقط، فإسبانيا تجاور إفريقيا المتخلفة وتخاف تخلفها، أي أن المسالة هي عقدة جور وليس شيئا آخر، وأعذر إيزا لأن الإسبان ينكرون حتى تاريخهم، فهي عندما لجأت إلى وكالة سياحية تسالها شيئا متميزا بالأندلس، تعاملت معها القائمة بالسياحة الأندلسية في ميخاس بشيء من اللامبالاة، رغم أن إكسها أخبرها بأن ميخاس، معمارها عربي بامتياز، قالت القائمة بانجليزية ركيكة:
ـــ نعم المسلمون كانوا هنا لكن أجبرناهم على الهروب
ـــ لكن العمارة الأوربية طلعت في السوة، وجئت إلى الأندلس لأرى شيئا متميزا
هنا تنبهت المخبرة السياحية، لتمدها بخرافات إسلامية في الأندلس: مسجد قرطبة وقصر الحمراء وخرافات أخرى، خرائط ومواقع لمساجد كأنما نحن جئنا لزيارة مكة أندلسية، طقس ديني وليس معالم ثقافية متميزة. إيزا حقا كانت غافلة حين جاءت إلى الأندلس بتسريحة عربية، لو كانت بتسريحة شقراء لأخبرتنا القائمة بكم الرؤوس العربية التي علقت بالأسوار كما فعل معنا القائم السياحي على أسوار مدينة مكناس في المغرب حين حدثنا أن جدار مكناس بنيت بأجساد الأمازيغ، وهذا شيء مميز ورائع للإخبار: أن تزور بلدك بملامح شقراء. وتسمع عنه ما لا تصدقه حواسك
لكن ميخاس كانت ميزتها الفنية هذا الطقس البيكاسي المتميز، فحرف الميم في ميخاس باللاتينية هو حمارها الشهير.تكتب ميخاس باللاتينية بميم حمار مظلل لاتظهر حوافره الأربعة، بقوائم مثلثية كتشكيل بيكاسو، حمار يعاني بالضرورة كالميم اللاتينية حيث الإنحدار الحاد على مستوى الظهر، وحيث المثلثات تشكل ذروة المعانات، ومع أن بيكاسو عكسها بهذا الشكل إلا أن حمار ميخاس وحسب ظني الكبير تحسده كثيرا كل حمير المغرب وموريتانيا الشائعة او المشاعية، فهو لا يحمل أثقالا بل فقط يجر عربات تحمل أجسادا شقراء، ضاحكة كالبقر، هو ينهق كعادته وهم يضحكون.
كانت إيزا تعرف الحي من سكونه، ومع هذا فهو يخيفها كثيرا، ليست كلوسيل الفرنسية التي تعرف كل التفاصيل عنه وتعرف بالتأكيد أنه محيط جيد للأعمال الحرة التي هي ميزة التجارة العالمية، في الجيتو كل شيء حر، الأعمال فيه تنتفي فيه ضرائب الجمارك وتداعيات الحماية التجارية، والناس فيه سواء أمام قانون الفوضى، حتى السرقات لها سوقها في الجيتو، والحنكة فيه أن تكون شاطرا فقط، أغلب سكانه يعرفون جيدا، وبشكل سافر القانون الجنائي، أحسن بكثير من رجال القانون المتخصصون، ويكفي المرء أن ينتسب إلى حي الجيتو ليحظى بكل الإحترام، سكانه متضامنون بشكل رائع، لا مكان للوشايات فيه، ولا مكان أيضا للتمايزات الطبقية، فالغني، البارون المحظوظ شخص محترم لكراماته، يجود حتى على المثقفون رغم أنهم لايفيدون في شيء في نماء الجيتو، يكون الرائع عندهم ان يصفوا في مقال صحفي مسطح شطط التسلط البوليسي حين يتعلق الأمر بتغطية لمداهمة ما تبرز تلك المسخرة الرائعة لانعدام الأمن، كأن تسفر المداهمة الأمنية على احتجاز ارانب صغار، صغار بشكل عجيب غالبا ما يثبت أنهم ليسوا المطلوبون ليكتفي القضاء الإسباني الرائد على المستوى الدولي في اعتقال رؤساء دول أجنبية مشهود لهم بالإبادة الإنسانية بجوقة إعلامية، هذا القضاء غالبا مايجازي هذه الأرانب بالإلتزام للحضور إلى المحكمة للإمضاء في أيام معلومة مقيحة بتسميتها «الأونو والكينسي » أي اليوم الأول من الشهر واليوم الخامس عشر لمدة سنتين أو أكثر والتي كما يبدو في اعتقادي أن اغلب سكان الجيتو مجبرون على هذه الإمضاءات رجالا ونساء. البارونات يجودون أيضا على رجال الدين ويحظون بذلك بصكوك الغفران وهم في الجنة خالدون. حتى المساجد محظوظة بهذه الكرامات ولا تستثنى فقط كنائس الغجر، وأعرف أشخاصا تبرعوا لبناء المسجد بالمنطقة مع امتناعهم الغريب في ذكر أسمائهم ومدى قيمة تبرعهم المدهش، لكن حين يصرحون لنا في لقاءات حانات «باسم الله» كما أشرت سابقا أستغرب لهذه السرية المجحفة رغم أن قيمة تبرعاتهم سرقت من طرف ذوات بعينها، ورغم أنهم يعرفون بالتمام الخالص كيف صرفت تبرعاتهم. كانت لوسيل الفرنسية مدمنة على الحشيش وكانت متعتها الرائقة في زيارة البوتشي هو أنها تستطيع بابتسامة فارغة ان تحصل على مادتها المفضلة رغم أنها طالبة لاتملك المال الكافي لحصولها عليها، وكانت تفضل معاشرة المغاربة رغم أن ذوقها الجنسي يميل كثيرا إلى الملامح الشقراء:
ــ المغاربة جيدون في الجنس لكن سحنتهم لا تروقني، هكذا كانت تقول دائما، المغاربة أيضا كرماء في الحشيش رغم أنهم فقراء.
اما إيزا فكان الجيتو بمثابة شيطان ساكن، حتى اكلاته الدسمة والرخيصة تشبه أكلات ماكدونالد عندهم، أكل للفقراء وغير صحي، ومع أنها لا حظت غير مامرة أن أكل ماكدونالد في إسبانيا هو أكل للأغنياء ولاحظت أن زبناءه من الأغنياء، إلا أنها لم تصدق الأمر:
ـــ هناك شيء ليس على ما يرام عندكم، هكذا كانت تقول إيزا التي وجدت إسبانيا مختلفة بشكل كبير عن بلدها واعترفت بشكل غير محتمل أن عنصرية الإسبان أكثر من عنصرية بلدها الذي حملت جنسيته. مع ان الأمر بالنسبة لي ليس سوى مجرد تخلف فقط، فإسبانيا تجاور إفريقيا المتخلفة وتخاف تخلفها، أي أن المسالة هي عقدة جور وليس شيئا آخر، وأعذر إيزا لأن الإسبان ينكرون حتى تاريخهم، فهي عندما لجأت إلى وكالة سياحية تسالها شيئا متميزا بالأندلس، تعاملت معها القائمة بالسياحة الأندلسية في ميخاس بشيء من اللامبالاة، رغم أن إكسها أخبرها بأن ميخاس، معمارها عربي بامتياز، قالت القائمة بانجليزية ركيكة:
ـــ نعم المسلمون كانوا هنا لكن أجبرناهم على الهروب
ـــ لكن العمارة الأوربية طلعت في السوة، وجئت إلى الأندلس لأرى شيئا متميزا
هنا تنبهت المخبرة السياحية، لتمدها بخرافات إسلامية في الأندلس: مسجد قرطبة وقصر الحمراء وخرافات أخرى، خرائط ومواقع لمساجد كأنما نحن جئنا لزيارة مكة أندلسية، طقس ديني وليس معالم ثقافية متميزة. إيزا حقا كانت غافلة حين جاءت إلى الأندلس بتسريحة عربية، لو كانت بتسريحة شقراء لأخبرتنا القائمة بكم الرؤوس العربية التي علقت بالأسوار كما فعل معنا القائم السياحي على أسوار مدينة مكناس في المغرب حين حدثنا أن جدار مكناس بنيت بأجساد الأمازيغ، وهذا شيء مميز ورائع للإخبار: أن تزور بلدك بملامح شقراء. وتسمع عنه ما لا تصدقه حواسك
لكن ميخاس كانت ميزتها الفنية هذا الطقس البيكاسي المتميز، فحرف الميم في ميخاس باللاتينية هو حمارها الشهير.تكتب ميخاس باللاتينية بميم حمار مظلل لاتظهر حوافره الأربعة، بقوائم مثلثية كتشكيل بيكاسو، حمار يعاني بالضرورة كالميم اللاتينية حيث الإنحدار الحاد على مستوى الظهر، وحيث المثلثات تشكل ذروة المعانات، ومع أن بيكاسو عكسها بهذا الشكل إلا أن حمار ميخاس وحسب ظني الكبير تحسده كثيرا كل حمير المغرب وموريتانيا الشائعة او المشاعية، فهو لا يحمل أثقالا بل فقط يجر عربات تحمل أجسادا شقراء، ضاحكة كالبقر، هو ينهق كعادته وهم يضحكون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق