الاثنين، 3 نوفمبر 2008

تطوان أو تيطيوين(العيون)


تطوان أو تيطيوين(العيون)
لمت مارتيل حصيرها الصيفي من الشاطيء وأصبحت مهجورة تماما إلا من المارة العابرين، كانت تلوح بثذيها الجاحد نحو سبتة النائمة تحت سكرة التاريخ، بدا الناس فيها كما لو كانوا لايفقهون إلا لغة البضائع والسلع المهربة , وكنا فيها ضيوفا في أحد المنازل التي هاجرها أهل الصيف ممن يتعبدون الشمس على ساحل المتوسط، تبدو مارتيل متأثرة بالعمران الأروبي الحديث، مسحتها الجيوغرافية تبدو كشريط يمتد من صبوة الوادي ليحط صدره على مدينة ابن بطوطة المتنكرة في زيها الفاجر لجلبابها المراكشي، تتوسل علىعتبة الشيخ المولع بجمع الشدرات من الجزر والصخور: إسبانيا مصابة بالهوس الجنوني، ولا تستعيد اتزانها إلا بدك أوتادها في سواحل الآخرين
كان بحر مارتيل الخريفي هادئا يلهم بنشوة الفتح، ويبهج عيوننا المفعمة بالعبور، تفتح لهفتنا الجامحة لوداع الجحيم المتربع على عرش الوطن، لم تكن تطوان بكل صخبها حاضرة في هدير الشرود الذهني، كان التربص موقفنا والإنتظار لساعة الصفر، كنا نستشف من امتداد البحر ولادة جديدة، كنا نستعجل موتنا الهارب من تربة الوطن، تتفتح علينا أرجوحة الربان كما لو كان قائدا ميدانيا يلقي علينا دروسا في أحوال الجو وفنون الإبحار وطقس البوصلة، كان يغرقني في ملحمة الشرود.
بدأت إسبانيا تدخل وجداننا المهتز، بدأنا نتعلم من أبجدياتها هواجس الشغل، وحميمية الجوار، وحقوق الإنسان التي تفعم خطاباتهم السياسية، ولعبتها الرائدة في ديموقراطيتها التي تنهل بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية، كنا ننفي عنها كل الإحتمالات السيئة، وما شاب فيها من أحداث مفعمة بالخروقات، كنا نمسح عنها الإدانة ونلوم فيها جالياتنا التي تفتقد إلى بشارة الإندماج وانغلاقها الثقافي فرجالات الأمن الإسباني يتعاملون، حسب شهادات الرفاق منا ممن خاضوا تجربة الحريك، برأفة الحقوق الإنسانية، ونبل حكمائهم من القديسين في صون الكرامة، أما بحرها الحالم، فلا ينال إلا من شيم الحاقدين على تربة الوطن وضاق بهم الملح من حيث لايفقهون في أحوال البحر والسفن
من منا لا يتذكر أجدادنا ممن أغوتهم نزوة العبور بأفلاك يحملها العباب وتستهويها الرياح، كانو يتسلحون بالمجاذيف والصبر، أما نحن فسنتسلح بالمغاريف لإفراغ الماء، ومقطورة حرارية الدفع، هي رهاننا في الجذف.هذه الكلمات كان يلقيها على مسامعنا ذلك الرجل ذي الملامح الحقبية ذات الأسارير التارخية.في تطوان، كان يفعمني إحساس الغربة ملتهما بسكرة الموت; لم أر في المدينة شيئا غير وهج القافلة المتهيجة للرحيل، كان الزمن رتيبا كاستطالة البحر وفجر الهروب يقتحم دواخلنا مفعما باهتزاز الكينونة وسؤال اللحظة الحاسمة: كيف تختار موتك ساعة الحسم?كان السؤال رهيبا يشغلني عن أن أرسم صورة عن فضاءات المدينة ومعالمها بشكل لاأتذكر منها إلا محطتها الضيقة كما لوبنيت على خندق جبل وكأس بائس من البن اكتشف للتو ملامح العبور في وجهي ليصفعني النادل الذي وضعه فوق الطاول مرتين: مرة بنظرته الكاشفة المحتقرة ومرة بسعر البن الصاروخي الذي أديته دون احتجاج.أتذكر أيضا جزءا من ساحل مارتيل الخالي إلا من الصيادين يتدردشون حول شح البحر وقساوة العيش.

ليست هناك تعليقات: