تكومت في الصدر كمشة الأشواق وهاجت كالزنابير تفترس الجيهات الأربعة، انتشرت هواجسي في كل صوب تبحث عن ملح الأهل والأصدقاء، وتراءت لي في الأفق، جبال الوطن وقشيب الأمهات الفقيرات ولحن العتاب، يغمرني الرحيل إلى قريتي الصغيرة مرتع البيوتات الهرمة، قريتي التي كانت تلف الحمد في سعة القمح مشفوعا برحمة قطرة السماء
كبرت فيها ومازالت هي تصغرني، تزداد صغرا كلما ابتعدت، كأنما الأرض فيها وريثة السنوات العجاف، لا يجاريها لحن الوجود، استكنت في صلبها هذه الأماني تستنجد عقمها الأبدي، طارت متناها العقول، وطار للعقل فيها فرخه، يتيم فيها دفء العتبة، كأنما الظلال سكينته، يسكنني انهيارها الأعزل، وبرد لياليها القارص، تقاوم لوحدها انحلال الشفاعة، شفاعة هذا الإنهيار القائم فينا إلى الأزل، وحين اغيب عنها، تخيم في الدار سكرة هذه الهواجس الغريبة.
يقتلني الحنين حين أواسيها، يسجنها في ودي، وتسيل في قواديسي روح هذه اللعن القديمة، هروبا منها إلى خيمة الضنك، هذه التي تلف مضاجعي في غربة عقيمة لا أهل فيها ولا أصدقاء، أنطح فيها رأسها المتصدع للهروب، وأروي سحنتي ببرد هذه العتبات السجينة في وأدة الظل،
يقتلني الحنين حين أواسيها، يسجنها في ودي، وتسيل في قواديسي روح هذه اللعن القديمة، هروبا منها إلى خيمة الضنك، هذه التي تلف مضاجعي في غربة عقيمة لا أهل فيها ولا أصدقاء، أنطح فيها رأسها المتصدع للهروب، وأروي سحنتي ببرد هذه العتبات السجينة في وأدة الظل،
مازالت تنتظر في البيت وسادة الطفولة
القرية الآن وحيدة
الدار فيها، أيضا وحيدة تكتوي ببرد الخريف، حتى ما أعود
عندما أعود مشبعا بالتجوال، يلتئم فيها أيضا دفء الغربة، وتلتقي فيها الأشواق، تندمل جراح قديمة وتتفتح جراحات العتابات الجديدة، تقول لك القرية : "ذهبت بدون وداعات الأهل والأحباب ولا رسائل تقتفي الأثر".
لاشيئ تغير في العتبة إلا الأهل، ذهبت بهم شح السنين، الشاي نفسه، الخبز نفسه وسمن الدعابات القديمة والجميلة، تحاكي بوهجها هذه المسافات الرديئة.
المحصول الزراعي ذاته والقطرة المنتظرَةُ ذاتها، ولا شيء توحيه هذه الرساميل المهيمنة غير لعبتها القذرة تنزف جراحنا في مخاض الجبل ليخرج منه فأر صغير، سمته الحكومات المتعاقبة استثمارا يجلب سعة السكينة.
المحصول الزراعي ذاته والقطرة المنتظرَةُ ذاتها، ولا شيء توحيه هذه الرساميل المهيمنة غير لعبتها القذرة تنزف جراحنا في مخاض الجبل ليخرج منه فأر صغير، سمته الحكومات المتعاقبة استثمارا يجلب سعة السكينة.
عندما هاجرت، كان العزم منها رحيلا بالثلاث، هروبا من الزمن الرديئ، كان البؤس سيد المسافات فيها، وكانت المدينة المجاورة ضيقا آخر لايتسع لضيقي، وكان الوطن بكل زخمه، بجغرافيته المتمددة وفضاءاته المتنوعة، صعودا به أو نزولا، كان كله متسعا من الضيق، لا يستقيم فيه المسار، وكانت تتوزعني فيه هذه القامات الآهلة للسقوط.
آه لو سقطت يوما حصون هذه القلع القديمة.
في ضيق الوطن، تقلدت كل مناصب الشغل ولم تكفيني: كنت عزيمو، بواب العمارة الناطحة، حمو حزوظ (حمو العريان)المياوم الذي تتقاذفه تشريعات الشغل، وكنت بائع السجائر في امتهان الفضيلة بما يرضي دلع هذه القردة التي تركب سيارات الحكومة، وكانت الفضيلة أن أشعل سيجارة لكل المارة من هذه العنز الشاردة، تقلدت كل مناصب الشغل كما يتقلد علينا الوزراء حين يتبادلون حنكتهم علينا. كل المناصب لا تأويها، آلاف منهم مضى نهمهم ولم يقلعوا عن هفوة التاريخ حين تحط بلدا كاملا في مزبلة.
وزراء ككومة النحل تلسع من يجاريها، وتنعش وحدها برحيق هذا الوطن
كانوا خدام هذه الأعتاب القديمة المرتشية
كانو كلاب هذه المزارع الكولونيالية
كانوا ما كانوا، ولم يكونوا شيئا من هذا الوطن
آه لو سقطت يوما حصون هذه القلع القديمة.
في ضيق الوطن، تقلدت كل مناصب الشغل ولم تكفيني: كنت عزيمو، بواب العمارة الناطحة، حمو حزوظ (حمو العريان)المياوم الذي تتقاذفه تشريعات الشغل، وكنت بائع السجائر في امتهان الفضيلة بما يرضي دلع هذه القردة التي تركب سيارات الحكومة، وكانت الفضيلة أن أشعل سيجارة لكل المارة من هذه العنز الشاردة، تقلدت كل مناصب الشغل كما يتقلد علينا الوزراء حين يتبادلون حنكتهم علينا. كل المناصب لا تأويها، آلاف منهم مضى نهمهم ولم يقلعوا عن هفوة التاريخ حين تحط بلدا كاملا في مزبلة.
وزراء ككومة النحل تلسع من يجاريها، وتنعش وحدها برحيق هذا الوطن
كانوا خدام هذه الأعتاب القديمة المرتشية
كانو كلاب هذه المزارع الكولونيالية
كانوا ما كانوا، ولم يكونوا شيئا من هذا الوطن
كانت البطالة فيه مقنعة بتراويح إمام يجوع حشوده فتتبعه، ومن خلفه حكومة الوداعة تحمل أماني الجماهير المتسولة على جناح ابتسامة، فتتبعه.
تقرع له الطبول فتتبعه.
يأتيها النماء نوما عميقا لا توقظه الأزمات، فتتبعه
يحبك كل شيء في هرولة المراسم والوعود الجديدة، ينتقل فيها الوعد إلى وعيد فتتبعه يقصم ظهرها فتتبعه، فأي شعب نحن هذا الذي يبيح التسول في كل شيء: في الجنس، في طلب العمل، في التسوق، في السفر، في الإدارات، في... في كل شيء.
تقرع له الطبول فتتبعه.
يأتيها النماء نوما عميقا لا توقظه الأزمات، فتتبعه
يحبك كل شيء في هرولة المراسم والوعود الجديدة، ينتقل فيها الوعد إلى وعيد فتتبعه يقصم ظهرها فتتبعه، فأي شعب نحن هذا الذي يبيح التسول في كل شيء: في الجنس، في طلب العمل، في التسوق، في السفر، في الإدارات، في... في كل شيء.
كنت مسعورا بالترحال، وكانت ثقافات العبور سندي، تواسيني وترفع ضالتي إلى حضرة الغياب، كان البحر صغيرا في عيني وحواجز الأمن خريطة الطريق لخلاصي، وهل تمنعك رجالات هي ذاتها تغمرها عقيدة الهروب إلى الضفة الأخرى.
لاأمن يحميك من موتك البطيء في الوطن،
لاأمن يحميك من موتك البطيء في الوطن،
رحيلك القادم موت آخر ، مادامت عتبة الإنتظار في الوطن كالرحيل وراء العتمات، وهذه الأرض، كل هذه الأرض هي موطني مادمت مياوما، ومادامت هي تدنسها الرساميل وتفتح صدرها للحروب المختلفة.
نحن جند هذه الأرض أيتها البروليتاريا الرثة
جبل عوام
في البدء، وفي رحبة الوطن، سكن الغياب دواخلي وتكومت في الصدر، أفواج من الشوق الغامض تهيجني، تبعدني عن قريتي الهادئة، كنت أمشي فيها يتيما كالنعش.
كانت القرية تعيش على صلب القمح، فيما كانت الرساميل المتعددة، والقادمة من زمن العولمة تنخر في بواطنها، تسرق قرة الذهب أمام الملأ، وكان يحرص طريقها، رجالات الحكومة نفسها، وأطنابها ممن تدورت بطونهم بالمسعى، الرشوة كانت وكانت ايضا رفوف الإدارات الحكومية سوقا للتسول، ولت وجوههم عنا، ولم تغير منا شيئا، خلقت منا شعوبا تتعظ بالصدقات وتموت في وأد المجاعة، مازالت وجاهة رجالات القرية هي هي نحوهم، يسكنها سعيي التسول لعودة أبنائها المياومين إلى الشغل، ماتت فينا أيضا ثورة الشباب: حجيج غضب يطوق في اعتصامات رديئة ينقصها العزم، إضرابات تتقد لتدغدغ سلطات القمع وتذوب بصرعة فائقة في وطأة المساعي، تتلاشى كدخان السجائر حين ينفثه غضب المزاج. وعندما يركن سقم البطالة في العظام، نشعلها من جديد وتنطفئ كالكلأ، يواسيها الوزراء بفاكهة الإستثمار، لذلك كانوا يعودون في هدوء قاتل، يدورون عجلة الإنتاج المتدفق ويخربون قشرة الأرض التي تنبت القمح.
إلى بطونها نزلت
في المغارة نزلت
قطرة الماء
كانت القرية تعيش على صلب القمح، فيما كانت الرساميل المتعددة، والقادمة من زمن العولمة تنخر في بواطنها، تسرق قرة الذهب أمام الملأ، وكان يحرص طريقها، رجالات الحكومة نفسها، وأطنابها ممن تدورت بطونهم بالمسعى، الرشوة كانت وكانت ايضا رفوف الإدارات الحكومية سوقا للتسول، ولت وجوههم عنا، ولم تغير منا شيئا، خلقت منا شعوبا تتعظ بالصدقات وتموت في وأد المجاعة، مازالت وجاهة رجالات القرية هي هي نحوهم، يسكنها سعيي التسول لعودة أبنائها المياومين إلى الشغل، ماتت فينا أيضا ثورة الشباب: حجيج غضب يطوق في اعتصامات رديئة ينقصها العزم، إضرابات تتقد لتدغدغ سلطات القمع وتذوب بصرعة فائقة في وطأة المساعي، تتلاشى كدخان السجائر حين ينفثه غضب المزاج. وعندما يركن سقم البطالة في العظام، نشعلها من جديد وتنطفئ كالكلأ، يواسيها الوزراء بفاكهة الإستثمار، لذلك كانوا يعودون في هدوء قاتل، يدورون عجلة الإنتاج المتدفق ويخربون قشرة الأرض التي تنبت القمح.
إلى بطونها نزلت
في المغارة نزلت
قطرة الماء
تغسل صفيحة المعادن
تسيل في الأنفاق وتحمل فلولا من ذراته، يستخرجها العمال ريعا يتوهج في ذروة الأسواق.
تضع القرية حملها في السوق وفي دورتها البيولوجية هذه، تجف في السطح تربة القمح،
شربت رياح الغرب حليب الأعشاب فيبست سنابل القمح وماتت المواشي، خرت مداشر جبل عوام وهرمت، وفر الناس من القرية إلا من وافته المنية في المناجم.
تيط إفسثن (العين الصامتة) والجرائم البيئية
ولما انهار الجبل هربنا إلى تيط إفسثن (العين الصامتة )
يستهويني خمار ليلها المحتشم، تجثم لها السرايا حين تستثمر مجاريها وترمي نفاياتها في صلب العين، ومن بعيد، كانت رجة آحدوس تنبعث عبر الأثير وتكسر هدوء ليلها البارد، كان صدى الطارة ينشد لحن الحنين لأول منزل يألفه الفتى.
ياأيتها العيون، ليس لي فيك عشق السواقي،، لي فيك عشق الأهالي يقطن ظلال هذه الغابات الفسيحة.
ياأيتها العيون، ليس لي فيك عشق السواقي،، لي فيك عشق الأهالي يقطن ظلال هذه الغابات الفسيحة.
خيامها السوداء التي تكسوها فروة الماعز كانت مسقطنا الأول، وكان آحيدوس رقصة الميلاد حين لم يكن مسخا سياحيا، كانت العين تتحلى بأزهار أشجار الفواكه المختلفة، وكانت هي تنام تحت ظلالها، تنسل مياهها عبر المنحدر المائل في صمت عميق، محاطا بمكنون الآلهة، تتلوى عبر مداشر الأودية وتتمدد كظفيرة المعشوقة، تكتنز تحتها كنوزا صغيرةشلالات محاطة ببلوط أخضر، يخفي المجاري بظلاله كأنما يخفيها خوفا من قرصنة الخوصصة.
جبالها الشامخة كانت تكسوها الغابات في تناغم أزلي ولم تلبث ظفيرة الوادي تحميها فاكتساها العري محموما بماكينا الحطب سقط الشموخ تحت أزيز المنشارات وطقطقة الفؤوس وتحولت الغابات إلى أوراق نقدية تدفيء جيوب المضاربين ممن ابتدعوا خرافة التقسيم الجماعي، جماعات أضحت تنمي صلعة الجبال الأطلسية لتشعلها لفحات الشمس. أضحى النهب عيار هذه الكيانات الطفيلية، يسبح لها قطران الديموقراطية ويشفع لها هدير الكوارث، لم يسلم من العين إلا ظفيرة الوادي تكسوها خضرة الزيتون والدفلى وبعض أشجار البلوط الممانعة
كان كل هذا النهب إلى جيوب الموالي، أما القرية وما تبقى منها من أخشاب الأرز القديمة، فباتت تستحم في لهيب الأسعار، فر الرعاة عنها إلى المدينة وهوت أسر بكاملها إلى قاع العولمة، تفسخت فينا قيم البداوة: التحية الصباحية والكرم الحاتمي
كان كل هذا النهب إلى جيوب الموالي، أما القرية وما تبقى منها من أخشاب الأرز القديمة، فباتت تستحم في لهيب الأسعار، فر الرعاة عنها إلى المدينة وهوت أسر بكاملها إلى قاع العولمة، تفسخت فينا قيم البداوة: التحية الصباحية والكرم الحاتمي
لم يعد الجار يحمل جاره
تركت القرية تنتظر أسلاك الكهرباء وعندما عدت ذات يوم كان قد تملصت الجماعة منها لأن النصاب لم يكتمل.
أي نصاب يستقيم قبالة دائرةالنهب الشاسع؟
كانوا يمنعون الناس من الحطب ولما حسموا الأمر فيما بينهم قطعوها بالجملة والتفصيل
تاغبالت
تاغبالت
تاغبالت الحزينة، تسند رأسها إلى عاري أوسار(الجبل الهرم) وتحضن في ذراعها تيط اوزقور (عين الخشب) لملمت دموعها في المنحدر فاستقرت لذاتها ونامت، هجرتها الطيور المغردة، هجرتها زفرات النوافير القديمة ولم يعد للحياة فيها غير صهيل الذكريات
عنز وجديان صغيرة تثغوا في خاصرتها، كانت تشرب ماء الظهيرة.
فقدت شيخها الذي يرعاها .
إيش واغو (جبل الدخان)
قلعة البريد, كان..
غابت فيه بلوطة الدفء
وانحلت أسراب النحل
ولم تعد للدخان فيه أبجدية للكتابة
أبراو ييزم (حفرة الأسد)
الحفرة منتصبة
والأسد انهار واندثر
ولا زئير يملأ صدى الضاحية
نداء زعطوط
أيها الأرز الشامخ، خذني على جناحي معصمك
ولا تنادي ربك علينا، بل ناديه على الذين يقطعون جذوعك وينشلون أوراقك
تغريهم البيوتات من خشبك فيحصدونك
يقتلون فينا فطنة التسلق على أغصانك،
وقل للقاضي المنهك بتعاليم الولاة: من منا يفتطن تسلق صلعة الجبل
يا هذه الجماعات الخرافية: هذه أرضنا فاتركوا ظلال الغابة توحشنا والثلوج تعتنق عقيدة السمو في أرزنا،هذه هي ديموقراطيتنا:
أن تحتفي المجاري بعيونها
والجبال بنباتها
وأن يكون لنا معشر القردة مجال للتسلق والعيش الكريم
وأن ينسحب كل هذا العتاد العسكري
عذري مازغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق