عند مخدع الهواتف في إحدى المدن الا سبانية العامرة بالمهاجرين المغاربة، جاءت سيدة مغربية لترسل إلى أهلها شيء مما جنته طيلة الشهر، حوالة مالية، تساعد بها على متطلبات الوقت، وكانت بجانبها صديقتها التي ضاقت من بطء العملية، لأن المسألة باتت تتطلب دقة ومعلومات ضافية حول زوج المراسلة، حتى لا تتحول المراسلة، لا سمح الله، إلى عملية ارهابية حسب القوانين الجديدة التي سنت بعد احداث نيويورك وتفجيرات مدريد، كانت صديقتها منفعلة لان عليها هي الأخرى أن تقتني بعض متطلباتها قبل إغلاق البازارات المغربية، سمعت منها بالتحديد أنها تريد ان تقتني القهوة المغربية وزيت الزيتون المغربي، مما اثار في خواطري تساؤلا جدليا حول المنتوجات التي يبيعها التجار المغاربة وبين التي هي في الأسواق المحلية، بالتأكيد الزيت الإسباني اكثر جودة من الزيت المغربي مع الاخذ بالإعتبار أني اتحدث على زيت بعينيه وليس كل الزيت المغربي، اتحدث بالضبط على الزيت المتاح في الاسواق المغربية للفئات الشعبية والمتاح لهذ الفئة ذاتها في الاسواق الإسبانية ومعه ايضا البن الذي لي فيه شأن آخر.
في المغرب سعر اللتر الواحد من الزيت هو:40،5 درهم وعند الباعة المغاربة بإسبانيا، هو بسعر 6€ اما الزيت الإسباني فيباع في الأسواق المحلية بسعر 3€ لللتر الواحد اي أن الزيت المغربي يباع بزيادة تفوق خسين في المئة ونفس الشيء يمكن ان يقال على باقي المنتوجات لو استرسلنا في رصد اثمنة كل منتوج. مما يطرح هذا التساؤل حول هذ الإسراف اللا مبرر من قبل المغاربة? مع قصور ذات اليد عند المغاربة، وخصوصا اننا نعيش زمن اكبر كارثة اقتصادية حيث بدأت البطالة تقتضم هامش المهاجرين بشكل كبير اجبر الدولة الإسبانية على نهج بعض السياسات المعلنة تجاه المهاجرين والتي تتكيف في بعض جوانبها مع السياسة الاوربية بالإضافة إلى نهجها سياسة أخرى خاصة بالمغاربة وهي سياسة تعامل معها المغرب بالصم الغريب وبالتواطؤ احيانا كثيرة.
يفهم من هذا كله أن الإرتباط الحاسم بهذه المواد رغم غلائها الفاحش يرجع بالأساس إلى عامل نفسي محتواه هو الإرتباط بالوطن من خلال تلك المواد السلعية، فالشيء الوحيد الذي لا يمكن ان يتملكه المرء في حقيبته هو الوطن، يبدو ذلك من خلال حركة المهاجر الدؤوبة في مسعاها إلى خلق كل مايمت بهذا الوطن وكل ما يغني حواسه بنسمة هذا الوطن، من منا لا يتذكر حنين محمود درويش إلى قهوة أمه، من منا من لا يتذكر القهوة العائلية بطقوسها الرائعة ونسمتها المنفحة بمواد العطرية ومشتقاتها، قلت في البداية ليس الجودة هي ما يهم في هذه المواد بل ذلك الخليط الرائع الذي تحتويه هذه المواد، تلك النسمة التي تسم الوجدان المغربي كما تسم ايضا حياته العامة، بعبارة أخرى، المدلول الإجتماعي لهذه المواد هو ما يربط هؤلائي المهاجرين بها لتبديد عامل التغرب، وليس ما يمكن اعتقاده على أنه ارتباط بجودة هذه المواد، وما يزكي منا هذا الطرح هو هذا الإقبال المنقطع النظير التي تعرفه حركة العبور على مدار السنة، فما أن يحصل المهاجر على عطلة صغيرة كانت ام كبيرة حتى يهب حازما حقائبه فارا من خنقة الغربة على الرغم من المتاعب والعراقيل التي سيقبل عليها أثناء دخوله جغرافية الوطن بدءا من زعيق المهرجانات و الحفلات المقامة داخل البواخر وانتهاء بخدمات التنقل والغش في محلات البيع والمقاهي التي يتعرض لها المهاجر على طول تنقله، من هنا فالبرامج التي تعمل الحكومة عليها اثناء مواسم العبور لا تعمل إلا على تكريس سياسة التبذير ونهب المهاجر اكثر مما تهدف الى توجيهه واحترام مواطنته ككائن بشري وليس كبضاعة او عملة اقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق