حول علمية الماركسية ﴿3)
ملاحظات عامة:
1)ـ من السهل جدا أن يبني المرء مداخلاته انطلاقا من أرضية وهمية تتوخى التعميم كبداهة يتخلص منها المرء من تبعات فكره , لذلك فالتعميم لا يؤسس معرفة حقيقية ولا أيضا البداهة تستطيع أن تلعب دورها الإيديولوجي في تمرير الخطاب المراد تمريره, فالقول مثلا بأن "كثيرا ما يتردد في النقاشات الدائرة حاليا وسط اليساريين...."هو قول بالتأكيد يتماثل فيه اليسار المغربي عامة وهو قول يتهرب من تحديد المسؤوليات حول خلاصة الحكم المراد استنتاجه وهو في السياق ذاته, أدى إلى تعميم فقدان "البوصلة" عند اليساريين, ما يؤدي إلى الحكم بالمطلق حول تفاهة اليسار المغربي بينما الأمانة الفكرة تتطلب تتبع كل تيارات هذا اليسار والخروج بخلاصة, هي التي تمكننا من الحكم بجدوى هذا اليسار أو ذاك أو باللاجدوى كما تساعد أيضا على تليين الرؤى أو تباعدها حسب الظروف المتاحة , من هنا, فالإنطلاق من قول عام يؤكد عدميتها بالمرة وبالتالي البحث عن "نظارة" جديدة كما جاء في المقال هو مايراد من هذا القول. أكون متينا للأستاذ باجو بكثير من التقدير لو أن مقاله تتبع حركة الفكر في فضاء الدار البيضاء وتناول المداخلات بالنقد والتحليل ليخلص إلى استنتاجاته التي تتمركز بالأساس على دعوته لترك الجهاز المفاهيمي الماركسي , لكنه عوض ذلك ينطلق من هذا التعميم /الحكم ليبحث عن نظرية جديدة , مستصاغة من ابحاث المدرسة الفرانكفورتية العتيقة والتاكيد هنا منا, من منطلق أنه يتكلم عن مفاهيم الماركسية التي بنيت في القرن 19 ضاربا عرض الحائط كل اجتهادات المفكرين الذين جاؤوا بعد ماركس وأنكلز (لا أبالغ إذا قلت بأنه حتى ذكره لتروتسكي كان على سبيل الإستئناس,لا يذكره على انه أول من فجر غضبه على التحريفية السطالينية في كتابه "الثورة المغدورة",منتقدا الإتجاه الذي سارت فيه الثورة البلشفية متبرئا من مسارها, وهو واحد من قيادييها, بل يذكره الأستاذ باجو استناسا لمفهوم الاممية العالمية عند تروتسكي من حيث توحي بتقاربها مع نظرية النظام الشامل, لكنه تقارب شكلي معكوس من حيث الأهداف فهو عند تروتسكي تحالف عالمي ضد الراسمالية العالمية اي جبهة مناهضة, أما النظام الشامل فهي نظرية نبذ الصراعات) بينما يتكلم عن المدرسة الفرانكفورتية تلك كما لو انها وليدة السنوات القليلة الماضية لتكون مفاهيمها هي جديدة بينما الأخرى عتيقة, وبالتالي يكون باحثي تلك المدرسة متأقلمون مع المستجدات العلمية بينما الماركسيون متشدقون بالفيزياء النيوتنية ذات البعد الميكانيكي وهم بذلك في نوم عميق عن مجريات التاريخ, جميل جدا أن يتحدث الأستاذ باجو حول تقليد تأول العلم الحديث في أبحاث المدرسة الفرونكفورتية ولا يتحدث مثلا في تأوله عند الكثير من الباحثين الماركسيين من أمثال ألان وودس في كتابه "العقل والثورة" الذي يعتبر نسخة تعتمد آخر ماجد في العلوم الحديثة معتمدا فيه على مساعدة علماء من الولايات المتحدة وإنكلترا,علماء متخصصين في مجالات متعددة,علماء يؤكدون صرامة قوانين الدياليكتيك المادي كقانون التطور من الكم إلى النوع, او قانون نفي النفي أو قانون وحدة الاضداد ....وما إلى ذلك .
ملاحظات عامة:
1)ـ من السهل جدا أن يبني المرء مداخلاته انطلاقا من أرضية وهمية تتوخى التعميم كبداهة يتخلص منها المرء من تبعات فكره , لذلك فالتعميم لا يؤسس معرفة حقيقية ولا أيضا البداهة تستطيع أن تلعب دورها الإيديولوجي في تمرير الخطاب المراد تمريره, فالقول مثلا بأن "كثيرا ما يتردد في النقاشات الدائرة حاليا وسط اليساريين...."هو قول بالتأكيد يتماثل فيه اليسار المغربي عامة وهو قول يتهرب من تحديد المسؤوليات حول خلاصة الحكم المراد استنتاجه وهو في السياق ذاته, أدى إلى تعميم فقدان "البوصلة" عند اليساريين, ما يؤدي إلى الحكم بالمطلق حول تفاهة اليسار المغربي بينما الأمانة الفكرة تتطلب تتبع كل تيارات هذا اليسار والخروج بخلاصة, هي التي تمكننا من الحكم بجدوى هذا اليسار أو ذاك أو باللاجدوى كما تساعد أيضا على تليين الرؤى أو تباعدها حسب الظروف المتاحة , من هنا, فالإنطلاق من قول عام يؤكد عدميتها بالمرة وبالتالي البحث عن "نظارة" جديدة كما جاء في المقال هو مايراد من هذا القول. أكون متينا للأستاذ باجو بكثير من التقدير لو أن مقاله تتبع حركة الفكر في فضاء الدار البيضاء وتناول المداخلات بالنقد والتحليل ليخلص إلى استنتاجاته التي تتمركز بالأساس على دعوته لترك الجهاز المفاهيمي الماركسي , لكنه عوض ذلك ينطلق من هذا التعميم /الحكم ليبحث عن نظرية جديدة , مستصاغة من ابحاث المدرسة الفرانكفورتية العتيقة والتاكيد هنا منا, من منطلق أنه يتكلم عن مفاهيم الماركسية التي بنيت في القرن 19 ضاربا عرض الحائط كل اجتهادات المفكرين الذين جاؤوا بعد ماركس وأنكلز (لا أبالغ إذا قلت بأنه حتى ذكره لتروتسكي كان على سبيل الإستئناس,لا يذكره على انه أول من فجر غضبه على التحريفية السطالينية في كتابه "الثورة المغدورة",منتقدا الإتجاه الذي سارت فيه الثورة البلشفية متبرئا من مسارها, وهو واحد من قيادييها, بل يذكره الأستاذ باجو استناسا لمفهوم الاممية العالمية عند تروتسكي من حيث توحي بتقاربها مع نظرية النظام الشامل, لكنه تقارب شكلي معكوس من حيث الأهداف فهو عند تروتسكي تحالف عالمي ضد الراسمالية العالمية اي جبهة مناهضة, أما النظام الشامل فهي نظرية نبذ الصراعات) بينما يتكلم عن المدرسة الفرانكفورتية تلك كما لو انها وليدة السنوات القليلة الماضية لتكون مفاهيمها هي جديدة بينما الأخرى عتيقة, وبالتالي يكون باحثي تلك المدرسة متأقلمون مع المستجدات العلمية بينما الماركسيون متشدقون بالفيزياء النيوتنية ذات البعد الميكانيكي وهم بذلك في نوم عميق عن مجريات التاريخ, جميل جدا أن يتحدث الأستاذ باجو حول تقليد تأول العلم الحديث في أبحاث المدرسة الفرونكفورتية ولا يتحدث مثلا في تأوله عند الكثير من الباحثين الماركسيين من أمثال ألان وودس في كتابه "العقل والثورة" الذي يعتبر نسخة تعتمد آخر ماجد في العلوم الحديثة معتمدا فيه على مساعدة علماء من الولايات المتحدة وإنكلترا,علماء متخصصين في مجالات متعددة,علماء يؤكدون صرامة قوانين الدياليكتيك المادي كقانون التطور من الكم إلى النوع, او قانون نفي النفي أو قانون وحدة الاضداد ....وما إلى ذلك .
في إشكالية اليسار المغربي
2) في السؤال عن " ماذا يعني اليسار اليوم ؟" ماذا يريد الاستاذ باجو أن يقول بكلمة "اليوم" ؟. أن اليسار كان يعني شيئا في الماضي فانقلب عليه امره من حيث الآن هو يسار التشتت والإختلاف لذلك وجب تحويله إلى يسار الوحدة والتوافق من خلال رمي الجهاز المفاهيمي الذي كان به يرى اليسار القديم واقعه قديما , اي بلغة الأستاذ باجو: تكمن مشكلة اليسار المغربي في هويته هو بالذات من حيث يمتح من مصدرين أساسيين : "تراث الحركة الوطنية (...)وتصوراتها حول الدولة والوطن والثوابت الأخرى " وتراث الحركة الإشتراكية "وما كرسته من طريقة لتمثلنا للمجتمع" أي جهازها المفاهيمي هو المشكلة لأنه لا زال يعتمد مقولات مثل الصراع الطبقي ,البنية الفوقية, البني التحتية ...إلخ . على الرغم من إقحام مفهوم الحركة الوطنية كمصدر يمتح منه اليسار لكي يبدو الامر ظاهريا صحيحا إلا أن بنية السياق في القول لم تستطع أن تخفي اضطرابها,هذا الإضطراب ناتج بالتحديد عن توظيف مفهوم تراث الحركة الوطنية: فتراث الحركة الوطنية يمثل من وجهة نظرنا نحن الماركسيين وحدة تناقضية تسارع فيها اليسار واليمين والقومي والمحلي والعروبي وما إلى ذلك... فالقول بأن اليسار يمتح من هذا التراث ليس قولا دقيقا لأنه بالتحديد من داخل الحركة الوطنية برزت مواقف متناقضة بين خط الإستقلال الشكلي وخط التحرر الوطني, فاليسار المغربي هو بالتحديد وليد هذا الإتجاه الرافض لتلك العملية من الإستقلا ل وهو بهذا وريث حركة التحرر الوطني وهنا تكمن هويته فمهمة حركة التحرر الوطني لم تنتهي بعودة النظام المخزني إلى المغرب, الراعي للإستمرارية المؤسساتية لبنى الإنتاج الكولونيالي من طرف المؤسسات الرأسمالية, بل مازالت مهمته قائمة حتى الآن, ولا معنى للبحث في يساروية أخرى إلا إذا أقر الحداثيون الجدد ومنهم بالطبع حميد باجو بضرورة التخلي عن هذا الدور من تمثل حركة التحرر الوطني الذي يلعبه اليسار, والتمسك بيساروية تتحنط ببنية "النظام الشامل" في دعوة صريحة إلى تبني يسارية مسالمة تنبذ الصراع وتتكيف مع القائم من حيث هي جزء من النسق العام لنظام الأنظمة, هذا السياق من الطرح هو ما طرح بوادر التشتيت في اليسار المغربي بين الوفاء لروح حركة التحرر الوطني التي هي في بعدها, عملية تحويل لنمط الإنتاج الكولونيالي إلى نمط الإنتاج الإشتراكي وهي في بعدها النظري عملية ثورية, وبين الوفاء لميثاق الإصلاح السياسي من داخل مصرح اللعبة السياسية التي تتحكم في خيوطها دوائر النظام المخزني الشمولي, بمعنى أن تشتت اليسار المغربي, هذا الذي يِّتحدث عنه هو تشتيت ناتج عن المواقف السياسية لليساريين أنفسهم بين من يرى في المتاح المخزني أرضية للعمل ومن يري اللاجدوى في الدخول في لعبة سياسية لافائدة منها أو هو لا يؤمن بمشروعيتها أصلا, من هنا فتشتت اليسار المغربي راجع في جزء كبير منه إلى العملية السياسية القائمة في المغرب وليس إلى فقدان البوصلة, أي أن اليسار المغربي حاليا تتنازعه تيارات منها ما هو انتهازي, ومنها من يرى بضرورة المشاركة في الحكومة كحل مرحلي عوض التفرج من خارج العملية السياسية ومنها من يرى بضرورة الإصلاح الدستوري كمدخل للعملية السياسية وهذا أضعف الإيمان ومنها من يرى في التغيير الدستوري شرطا أساسيا للفعل السياسي من حيث يسمح بدمقرطة الحياة السياسية وسيادة القانون كما يسمح بالمحك الحقيقي للأحزاب في تطبيق برامجها المعلنة ويخرجها من دائرة النفاق السياسي الذي تدور فيه حاليا من خلال الوعود ببرامج هي لا تملك ناصية القرار في تحقيقها حتى وإن اكتسحت مقاعد البرلمان وهذه حقيقة يعرفها العادي والبادي(سأذهب بعيدا بخصوص هذه النقطة باعتبار هذا المطلب مطلب يميني أيضا كمدخل لديموقراطية على الشاكلة الغربية من خلال أنه يتيح إمكانية التداول الحقيقية على الحكم ويخرج بالمغرب من حالة نظام الحكم الشمولي, لكن لا أظن أن الأحزاب اليمينية المغربية تملك الجرأة لتطالب بذلك خوفا على مصالحها الطبقية, (وليس إيمانا منها بحتمية اللانفلات من "نظام الأنظمة" التي يريد الأستاذ باجو بأثر إيديولوجي أن يقنعنا به) بل هي تنتعش في ظل القائم من حيث يضمن استمراريتها كما يضمن أيضا تبعيتها للإيمبريالية ) .
"ماذا يعني اليسار اليوم؟" السؤال بهذا التجريد المبسط في ارتباطه ب"اليوم" الزمان الغيبي لا يؤدي إلى طرح مشكلة اليسار من حيث غياب طرح الشروط التاريخية التي فيها تمأزق اليسار, وطبيعي جدا أن يكون يعني شيئا أو لايعنيه مادام منفلتا من شروطه التاريخية التي تحدد هويته , وطبيعي أيضا أن يتماثل باليسار الإسلامي واليسار الرجعي وغيره, أي بعبارة القول المأثور "عممه يسهل عليك تجاوزه", وهذا ما حصل في مقال الأستاذ باجو وهو ماسهل عليه مامورية البحث في إشكالية اليسار, بالقفز من البحث في معضلة اليسار إلى البحث عن كبش فداء يراه في التهجم على المفاهيم الماركسية, من خلال تصطيح مفاهيمها وسجنها داخل زمن الصعود الرأسمال الصناعي إبان القرن 19. (يتهمني الأستاذ باجو في رده على مقالي الاول بالتحدث باليقين المطلق عندما أتكلم عن نهاية الرأسمالية, لكنه لايرى نفسه بهذا اليقين عندما يدعونا بدفن الماركسية حين يحبسها فقط فيما انتج منها في القرن 19 وينسى او يتناسى انها تستند في إنتاجها المعرفي إلى قوانين الديالكتيك الطبيعي الذي من أسسه التطور الكمي والكيفي ونفي النفي وما إلى ذلك, أي تلك القوانين العامة التي في إطارها تتحرك المادة, تتحول تتطور وتموت وينشأعنها جديد إنها القوانين ذاتها التي بنى على أساسها مهدي عامل أطروحته الماركسية حين قارب الواقع العربي منتجا إياه في تميزه على نمط الإنتاج الرأسمالي في ارتباطه العضوي بهدا النمط, أي انه كان يناقشه في إطار النظام العام لسيطرة الرأسمالية, إنها القوانين نفسها التي سمحت لماو بصياغة مشروعه النضالي في الصين مناقضا مايسمى بنبوءة ماركس داعيا إلى ثورة دائمة عبر مراحل وهو أيضا الذي جعل لينين يحقق ثورته من خارج المنظومة الراسمالية, مناقضا تلك النبوءة . إذا كانت الراسمالية لا تعيش ازمة بنيوية مستديمة حسب الاستاذ باجو وان الرأسمالية متكيفة مع الأزمات,هل يستطيع باجو وهو الخبير في الإقتصاد ان يشرح لنا لماذا النيولبرالية دأبت تتملص من الحقوق العمالية سنة بعد سنة؟ لماذا هذا التراجع الخطير في مدونات الشغل في جميع دول العالم؟ . صحيح جدا ان الكثير من الحداثيين الآن لا يستصيغون مفهوم الطبقة , لا يستصيغونه فقط استنادا إلى هذا التراجع في مدونات الشغل وفي القوانين الجديدة للتشغيل تماشيا مع الشروط التي تفرضها النيوليبرالية الجديدة (العقود الموسمية بدل الترسيم, التراجع على التعويضات الإجتماعية , تراجع في الاجور مقارنة مع ارتفاع الاسعار ومستوى العيش, تراجع في مستوى ساعات الشغل. تليين مدونة الطرد التعسفي, التسريح الجماعي للعمال, تفكيك الوحدة العمالية بتفكيك الوحدات الإنتاجية, جلب العمالة العابرة للقارات, إضافة إلى تراجع دور النقابات في تأطير الفعل النضالي وتواطؤ أجهزتها البيروقراطية في تمرير هذه الشروط أي أن وكلاء الطبقة العاملة, وبعبارة سمير أمين, أباحوا كل الشروط الممكنة لاستلاب العامل في قضاياه وفي وجوده, بالطبع في ظل هذه الشروط من السهل القول بانتفاء المجتمع الطبقي لدى عشاق المجتمعات الصافية, لكنه انتفاء بالوهم الإيديولوجي فقط وليس بالوجود الحقيقي للمجتمع؟ إذ بماذا تفسر هذه التراجعات التي أقرتها الرأسمالية لخلق مجتمع الرفاه في مركزياتها, أليس لإعادة توازن الهيمنة الرأسمالية؟). من هذاالمنطلق, وحين تكلمت عن نهاية الرأسمالية ليس باليقين المطلق كما استنتج الرفيق بل ربطته بشرط معين. هو أن يحصل الوعي بضرورة تجاوزها وربطت ذلك بالقول إن الراسمالية ستظل تعيش ديمومة ازمتها حتى يتراكم الوعي بضرورة تغييرها والوعي هذا بدأ ينهض حقيقة من منطلق أن الرأسمالية باتت تمثل تهديدا حقيقيا للوجود الإنساني من خلال التدمير الآلي الهائل للطبيعة سواء من خلال التلوث أو من خلال الإستغلال اللاعقلاني للموارد الطبيعية وهي تحديات لا يمكن تجاوزها آنيا أو مستقبلا إلا إذا كان للأستاذ باجو رأي آخر كتسخير الفضاء مثلا وهنا حقا سأقف عاجزا أمام ملكوت الرأسمالية ) .
بخصوص الإشتراكية الديموقراطية عند برنشتاين وعنها عند حميد باجو.
لعل الرفيق باجو من خلال قراءتي لنمطية النظام الشامل عنده, يدرك جيدا الفارق الزمني بين نشوء اشتراكية برنشتاين بألمانيا ونشوئها عند الإشتراكيين الإصلاحيين بالمغرب من خلال عرضه لنشأة التطور المجتمعي في بلد ما كالمغرب وما يحدث ببلدان أمريكا اللاتينية, لا خلاف لدي في وجود تفارق إلا بربطه بالزمان الغيبي , ليس التفاوت هذا تفاوتا زمنيا خطيا يتحدد فيه مجتمع ما بدرجة معينة من التقدم ويتخلف مجتمع ما نسبة إلى البلد المتقدم بل هو تفاوت تطوري يستند فيها التطور المجتمعي لبلد ما إلى بنية العلاقات الرأسمالية المهيمنة أي أن هذه العلاقات هي التي تسمح لهذا البلد أن يتقدم في شروط جيوسياسية وتاريخية معينة ما أو أن لا يتقدم, فوجود إسرائيل كدولة متقدمة بالشرق الأوسط لايستند إلى تطور زماني ذاتي بل إلى هذا الدور الستراتيجي الذي تلعبه في خلق ظروف هيمنة القوى الرأسمالية على منطقة الشرق الأوسط, فكيانها لايستند إلى تطور تاريخي, بل إلى صناعة رأسمالية, وحالما ينتهي دورها الستراتيجي, سينتهي الصراع العربي الإسرائيلي, وربما سينتهي وجودها كسلعة راسمالية حالما تستنفذ الدول الرأسمالية نهب الثروات الطبعية بالشرق الأوسط, خصوصا الطاقة, وهذه إحدى معضلات الرأسمالية المبشرة بانهيارها والتي لا يمكن أن تتجاوزها من منطلق التدمير اللاعقلاني للثروات الطبيعية, وهذا مجال آخر للنقاش,إنما أردت الإستدلال به لشرح التفاوت التطوري .
إن اشتراكية برنشتاين الديموقراطية تقوم على اساس التحول السلمي لبناء المجتمع الإشتراكي انطلاقا من الإصلاحات الإجتماعية , في ألمانيا وفي أوربا بشكل عام تحمل هذه النظرية إمكانية تحققها استنادا إلى الإطار العام السياسي والديموقراطي والقانوني الذي فيه يتحقن الفعل السياسي ,أي ان الدساتير الأوربية ومنذ قرون خلت كانت تسمح بهذا التداول الحقيقي حول الحكم وكان طبيعي جدا أن تحمل برامج الإشتراكيين الديموقراطيين إصلاحات اجتماعية حققت ما يسمى بالرفاه الإجتماعي للطبقات الضعيفة والمتوسطة, ليس هذا فقط, بل إن ذلك التعايش المتناغم بين اليسار الإشتراكي واليمين الرأسمالي في أوربا عامة وفي ألمانيا خاصة مبني في أساسه على استلاب المركز الرأسمالي للهوامش بتعبير سمير أمين, أي ان هذه العلاقة هي التي تحد من حدة التناقضات الإجتماعية في الغرب الرأسمالي , اي أن فائض الربح الحاصل من هذه العلاقة من الإستلاب هو ما يتيح إمكانية تغطية تكاليف تلك الإصلاحات الإجتماعية, وهو ما لا يتوفر في المغرب بحكم وضعه في هذه العلاقة من الإستلاب. لاحظ جيدا الإنتخابات الأخيرة في أوربا فالمزايدة اليمينية على مستوى الإصلاحات الإجتماعية فاقت في بعض الدول توقعات اليسار الإشتراكي , فما دامت التكاليف المادية لا تكلف جيوب الرأسماليين فماالمانع أن يكون لليمين نفس الخطاب اليساري وأن يتماثلا حتى (بالمناسبة يتماثل أيضا الخطاب الإصلاحي لليمين المغربي مع يساره في الإنتخابات الأخيرة كما يتناغم أيضا, لكن ليس بنفس الوثيرة الأوربية, بل بوثيرة مناقضة تماما, وهي تقوم في المغرب على قاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه")
لاحظ أيضا تشافيز الذي قدمه الأستاذ باجو في تجربة امريكا اللاتينية (فينزويلا خصوصا), تشافيز بدأ مساره السياسي كاشتراكي ديموقراطي إصلاحي, تماما كما في الدول الأوربية الرأسمالية, عندما بدأ حكمه وأراد ان يرسخ برنامجه السياسي الذي من أجله انتخب, اسطدم بالبناء المؤسساتي الرأسمالي المعشش في بلاده واضطر في ولايته الأولى إلى تلك المهادنة التي تكلم عنها باجو في تجربة البرازيل ** لكن أمام ضغوط المؤسسات الرأسمالية ومحاولات الإنقلاب التي تورطت فيها الولايات المتحدة من جهة, وأمام ضغوط الشارع السياسي من جهة أخرى وإيمانا منه بوطنيته اضطر إلى كسر البنية السياسية والإقتصادية والتشريعية التي تؤسس لهيمنة تلك المؤسسات بدء بتشريع قوانين التأميم مرورا بتحرير مصادر الطاقة (البترول) من استغلال الشركات المتعددة الجنسية وانتهاء بتأميم المؤسسات البنكية والشركات الكبرى وبعبارة كسر الأدوات التي من خلالها تهيمن الرأسمالية وتفرض تبعيتها على فينزويلا مع ملاحظة أساسية أن هذه العملية لازالت في بدايتها وتنم على مخاطر متعددة أكثرها احتمالا تدخل الولايات المتحدة عسكريا لتغيير الوضع
فالحلم الإشتراكي, في المغرب يتحقق انطلاقا من تحرر المغرب من هذه العلاقة من التبعية, ويتحقق ايضا بتحرير موارده الطبيعية والبشرية من هذه العلاقة من الإستلاب, وليس على الرهان على البعد الإنتخابي في دولة مسلوبة الإرادة, ثمة قرق كبير بين الحلم الحقيقي الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف معينة عبر الممارسة السياسية الفعلية للأحزاب والحلم/ الملهات , في لعبة حقيرة يستشيخ فيها الزمن المغربي ويتماثل فيها يسارها بيمينها من حيث تتحنط برامجها في قبة التوجيهات, فالأحزاب في المغرب وإن تملكت البرلمان المغربي فهي لا تملك السيادة القانونية في تحقيق برامجها الإصلاحية, فالإطار العام الذي صيغت فيه اشتراكية برنشتاين الأب الروحي للإشتراكية الديموقراطية بألمانيا خاصة وبأوربا عامة هي هي هذه الإمكانية التي تتيحها الدساتير الأوربية في تحقيق تلك الإصلاحات, وهي أيضا في تلك الوفرة من فائض الربح, وهو ما لا يتوفر للمغرب, وحتى لو توفرت الإرادة الحقيقية للتداول على السلطة السياسية في المغرب فهو حتما إذا أريد له ذلك سيسطدم بتلك المؤسسات التي تلجم اقتصاده وستضطر الأحزاب ذات المشروع الإصلاحي ذاك إلى تغيير نهجها (طبيعي جدا أن يعلن برنشتاين عبارته الشهيرة: "الحركة هي كل شيء, أما الهدف النهائي فلا شيء") وهي أيضا في تلك الحركية من التعبئة والتنظيم الحزبي المحكم لبلوغ ذلك الهدف, وليس عبر وعود قد تتحقق أو لا تتحقق, كما جاء في حديث باجو عن الحلم (أعدت قراءة ماقلته عن الحلم في مقالي السابق ولم أجد ذلك التناقض الذي كشفه الرفيق باجو في رده الاخير, إلا إذا كان قرأ حديثي عن الحلم بقراءة "الويل للمصلين", ذكرت كلمة الحلم في ذلك المقال مرتين , مرة في سياق الحديث عن برنشتاين ومرة في سياق الحديث عن الأسئلة المعرفية وقلت بأن شكل طرح الأسئلة عند الأستاذ تؤسس لمعادلة الشك عند ديكارت, تشكك في الماركسية بالكل, وتؤسس انطباعية الحلم كحاجة للمرور إلى الإنتخابات,أي أنها عملية ذهنية لا تمت إلى الواقع في شيء من منطلق أن الشروط العامة لممارسة سياسية حقيقة في المغرب لم تنضج بعد, لذلك, فالحديث عن انتخابات بهذا الشكل هو انتهازية بغيضة جدا وضحك على الأذقان وبعيدة أكثر بكثيرعن انتهازية برنشتاين التي تقوم على استثمار الحقل الديموقراطي المحصن دستوريا كما بينا سابقا, لذلك أيضا تكلمت عن ما سميته بالوكالة النضالية من منطلق ذلك الشكل الكاريكاتوري للعملية السياسية في المغرب حيث تلعب الأحزاب فيها دور المحامون في المحاكم القضائية, وهذا الشكل الكاريكاتوري هو ما كرس سوسيولوجيا ثقافة "الركيزا" ولجوء المواطنين إلى الكوادر لحل مشاكلهم وتبعا لذلك يمكن اعتبار ظاهرة حزب الهمة إفرازا واضحا لهذه الثقافة, يستحيل أيضا الحديث عن نزاهة تلك الإنتخابات حتى لو مضت في جو من الشفافية وكانت نزيهة فعليا ففي ظل الشروط القائمة,فإن الأحزاب التي تلج سلم الحكومة لن تعمل إلا على تقديم فروض الولاء كما تعمل جميع الحكومات القبلية العربية).
في علم النظرية
5) في المغرب درسنا أول مبادئ الفلسفة في الثانوي , من خلاصات تلك المرحلة أن الفلسقة تخضع في قانونها العام للمنطق التاريخ, بمعنى أن النظرية الجديدة تقوم على أنقاض النظرية السابقة, صحيح أن النظرية تلك تنمو على أرضية زمانها وتعتمد في فهمها على نتائج ما وصلت إليه المعرفة العلمية في ذلك الزمن, وهذا ما لا نختلف في شأنه, ولكن ما لا نقبله صراحة من الأستاذ باجو ذلك التحامل اللامبرر تجاه ماركس بالقول وبلغة التعميم مرة أخرى "ماركس لم يقم بكذا(...) إلا اعتمادا على كذا(...), غريب هو هذا الطرح, ماذا نريد من ماركس ؟ أن يأتي بجديد لا يملكه في زمانه, صحيح جدا أن ماركس هو بذرة زمانه خرجت من تحت انقاض الفكر الهيكلي ولا ينكر هذا إلا جاحد, فطبيعة الإنتاج الفكري تخضع في قانونها العام كما في أي انتاج طبيعي آخر لقانون نفي النفي أي أن (واستسمح هنا بصياغة لروسا ليكسامبورغ) "كل حركة جديدة عندما تبدأ بتطوير نظريتها وسياستها, إنما تبحث عما يدعمها في الحركة السابقة, على الرغم من أنها قد تكون في تناقض مباشر معها, إنها تبدأ بالتأقلم مع الأشكال الموجودة, وبالتكلم باللغة الموجودة, ومع الوقت تنبثق البذرة الجديدة مخترقة القشرة القديمة, وتجد الحركة الجديدة أشكالا ولغة خاصة بها" * تلك هي طبيعة الإنتاج الفكري, ثمة إشكالية طرحت نفسها في المسار الفكري عند ماركس في فهم الظاهرة الإجتماعية فرأى أن الإقتصاد يلعب دورا أساسيا في حياة الناس فدرس الإقتصاد السياسي مكرسا جزءا هاما من حياته في كشف الميكانيزمات التي تتحكم فيه وعبره في حياة الناس كما درس الدياليكتيك الطبيعي لفهم القوانين العامة التي تفتعل في المادة ليخرج بخلاصات مكنته من الحسم والخروج من تحت عباءة هيكل. يستحضر الأستاذ باجو مقولة ألتوسير حين يقول "إن ماركس الشيخ ليس هو ماركس الشاب" لكنه ينسى أو يتناسى ذلك حين يسجن الإنتاج الفكري الماركسي في عباءة الفيزياء النيوتنية, يعترف أحيانا بالمنهج الماركسي فلا يلبث يمضي قليلا حتى يتناقض مع اعترافه, وأحيانا كثيرة يتناقض في نفس العبارة , يقول الأستاذ باجو على أن الماركسية كمنهج للتحليل هي"أوسع من كل هذه النماذج أعلاه ومن كل التجارب (يقصداللينينية والماوية والبنيوية و..) والنظريات التي صيغت باسمها لحد الآن. فهي لا يمكن إلا أن تكون نظرية متجددة وقادرة على تجاوز حتى نفسها كلما تغيرت المعطيات، باعتبارها هي أيضا مجرد نتاج لمرحلة تاريخية". لست أدري كيف يستقيم مثل هذا الفهم عند الأستاذ باجو حين تصاغ نظريات وفق المنهج التحليلي الماركسي أي وفق قوانينه الكونية وتكون نتائجها أقل شأنا منها,أليس هذا تحاملا على المنهج الماركسي نفسه, من منطلق أن تلك التجارب هي تحصيل حاصل من جهة وتكييف القوانين الماركسية وفق الشروط الموضوعية, التي تتحكم في تلك التجارب,أي وفق تغير معطياتها بلغة باجو نفسه تجاوزا للمنهج في عقر داره حيث أنتج, كما هي إغناء له, أي ان المنهج الماركسي وفق مهدي عامل هو المنهج الوحيد الذي يتيح لنا إمكانية انتاج واقعنا المعرفي مميزا باعتماد قوانينه الكونية, وهو أيضا بحسب مهدي عامل, يسمح بإنتاج جهازنا "المفاهيمي الجديد الذي به نتملك معرفة واقعنا الموضوعي ". فرق كبير بين هذا القول لمهدي عامل وذاك القول عند الرفيق باجو إذ لا يستقيم مثل هذا القول إلا إذا افترضنا أن ذلك الزمان الذي فيه انتجت الماركسية قد وللى وانقطع عن الزمان الذي أنتجت فيه تلك التجارب وكأنما تلك القوانين التي على أساسها بنى ماركس منهجه حنطت في ذلك الزمن من "الصعود الرأسمالي" ولم يعد ممكنا استعادة صياغتها أوتطويرها وفق المعطيات سواء التاريخية منها أو الجيوسياسية, هذا بالتحديد ما نستشفه من قوله "تجاوز حتى نفسها" وفي القول "نتاج لمرحلة تاريخية" وهذا ما يوهم ضمنيا بأن الذين أتوا بعد ماركس لم يضيفوا شيئا للنظرية بل تشدقوا بنتاج مرحلة ماركس أو في أحسن الأحوال حرفوها, وكلا الأمرين أسوأ , إنه, وبتعبير مهدي عامل الرفض العدمي للماركسية .
مايؤرق الرفيق باجو في النظرية الماركسية هو قدرتها على التكهن وهو مايرفضه أيضا رفضا عدميا لكن مصيبة النظرية, أية نظرية كانت, ليست فقط الهيكلية أو الماركسية, أو أية نظرية أخرى, لا تكون نظرية مكتملة, إلا في استشراقها آفاق المستقبل, أي في تقييمها للعوامل الحاسمة في صيرورة المستقبل, وهذا ما نسميه بالحتمية, أن تخطيء في تكهناتها, لا يشكل ذلك مشكلة للفكر, بل سيحثه على إعادة تقييم معطياته وحساباته مرة تلو مرة إلى أن يهتدي إلى سواء السبيل, وإلا لماذا ندرس هذه النظريات أساسا, أما أن يطمس نظام الأنظمة قدرتنا في مجرد التفكير في حتمية تجاوزه فذلك هو الإستسلام بعينه
ماأختلف بشأنه مع الأستاذ باجو وهو اختلاف جوهري, هو في هذه العملية من تقديم النظام, وهو بالمناسبة النظام الرأسمالي العالمي, على أساس أنه نظرية, في هذا التقديم بالضبط تكمن المشكلة, فالنظام هو القانون العام الذي به تسيطر الرأسمالية على العالم وتعيد به انتاج علاقات الإنتاج التي تؤبد هيمنتها, وما ورد من أفكار ا حميد باجو, من اللاإفلات من هذا النظام يؤكد هذا القول وهو أيضا ماحاول قوله بأن البلد الواحده لايستطيع ان ينفلت لوحده إلا إذا تكتل في تكتلات إقليمية, أما النظرية فهي الطريقة التي بها نتملك واقعنا, نتعرف على تناقضاته وإشكالياته وآفاق تجاوزها, يمكن للنظرية أن تشرح لنا طبيعة هذا النظام استنادا إلى تناقضاته كما يمكنها أن تستشف إمكان تجاوزه, قد تخطئ في تقييم حساباتها وتقدير احتمالاتها أو تصيب, ذلك لا ينقص من كونها نظرية, خصوصا في العلوم الإنسانية, فالعلوم الإنسانية ليست هي العلوم الوضعية, حتى تقارن النظرية في الفلسفة بالنظرية في العلوم الوضعية مقارنة مختبرية, وهذا القول لا يعني إطلاقا أن النظرية لا تعتمد في قوانينها على قوانين الجدل في العلوم الأخرى إلا أن معاييرها تختلف, فالأصلع منا يبقى أصلعا بعشرات الشعيرات إلى أن يتكثف الشعر في رأسه (قانون الكم والكيف)فالمسألة لا تتعلق هنا بحساب الشعيرات بل بكثافتها, اما في العلوم الطبيعية فقد تنتقص ذرة فيختلف نوع المادة. إن المنزلق الذي سقط فيه الأستاذ باجو هو في محاولته اليائسة في تقديم "نظام الأنظمة" على أنه نظرية مستشرفا جازاه الله خيرا بإعطاء معلومات هامة في العلوم الطبيعية, وهذا القول مني ليس سخرية, بل أقوله حقيقة, لو وظفها في إنتاج نظرية جديدة لكان لنا نقاش آخر, وقول آخر يستفز العقل في حثه على البحث والمعرفة, استفزاز ينطلق من طرح إشكاليات حقيقية تستشرف بدورها أجوبة منطقية وعلمية.
يبقى في الأخير أن أشكر الرفيق على سعة صدره وإتاحته الفرصة لمثل هذه النقاشات.
عذري مازغ فــــــي 25 /07/2009
*روسا ليكسامبورغ ــ إصلاح أم ثورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق