إذا أخذنا منطوق النص في قصص طالوت وجالوت، تقول الحكاية: حدث الملأ من بني إسرائيل نبيا لهم بأن يبعث لهم ملكا يقاتلون لأجله في سبيل الله على خلفية أنهم أخرجوا من ديارهم واضطهدوا في ابنائهم. أخبرهم نبيهم انه بعث فيهم بطالوت ملكا لهم هيث تحفظ الملأ على هذا الإختيار لأن طالوت كان افقرهم .رد الله بأنه هو المصطفى عنده لما يتميز به من غنى العلم وقوة الجسم وهو فوق ذلك يوتي ملكه لمن يشاء وأن آية ملكه أن ياتيهم التابوت تحمله إليهم الملائكة ومفعما بالسكينة وما ترك آل موسى وآل هارون .
اقتنع الملأ وقبلوا طالوت ليخرج بهم لملاقات الطاغوت جالوت، في الطريق اخبرهم بأنهم مبتلون بنهر من شرب منه ليس منه ومن بل منه من غير ان يشرب او لم يشدب فهو منه، فلما تجاوزوا النهر قال الذين شربوا بأنهم لا يستطيعون محاكات جالوت في اقتتاله وردت عليهم الأقلية ممن لم يشربوا بما تضمنته الآية: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ، ولما برزوا لجالوت هزموه شر هزيمة وأتى الله الملك داوود.
هكذا إذن منطوق الآية، أما التفسيرات فهي متعددة بتعدد الإجتهادات وتعدد الرواة لكن لا أحد من المفسرين، اعتمد في إحالاته على مصدر تاريخي من خارج النص تؤكد أو تعلل الحرب الطالوتية أو اسم الواقعة، بل إن أغلب الرواة حكموا القصة من منطلق عجائبي يتماشى مع الخوارق، معتمدين على ما جادت به خرافات بني إسرائيل، وكان أكثرهم أغدق في الوصف الخرافي بما لا يقبله عقل سليم، وكانت الفكرة الوحيدة التي ترنو إليها الرواية ومن خلالها المفسرون، تؤسس الخلفية الإيديولوجية التي تبني مواقف العقيدة الجهادية التي تؤسس سرطان الإرهاب الإسلامي حاليا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة.
هذه ال ـ كم ـ التي تحط العقل في قاع التسليم البديهي لمحتوى الفكرة بعامة دون البحث عن الكيف فالإيمان بالله، هذه الخرافة القديمة، تؤسس وحدها مشروعية الأنا الإسلامية التي بها يرتفع المومنون إلى عرش الجلال وبالتالي يصبحون خير أمة أخرجت للناس، ومن خلال ذلك، و في سياق الإستشهاد الجهادي كانوا يختصرون قنطرة الدخول إلى الجنة. لاشك أن هذه البداهة المنحطة، تفترض في أية واقعة ومن خلال تراث التحريض الجهادي عبر التاريخ، حيث كان أساس الدعوة إلى قيام الممالك الإسلامية ، قلت تفترض وجود الملائكة في صف المومنون وهو ما اجتهد في قوله الرواة والمفسرون.
إن قصة طالوت وجالوت التي ألهمت الجهاديون والتي تأسست على بداهة ال ـ كم ـ التي تحيل على التعدد واستنادا إلى وجود الملائكة في صفهم تؤسس عقيدة التهور الجهادية المبنية على المقامرة الإستشهادية للإرهابيين كما أسست الوهم الطالوتي الدونكشوتي في النصر، إن طريقة قيادة طالوت للجيش تعبر صراحة على سذاجة غرة في توزيع أوامره التافهة مستقاة مباشرة من الله، فهو من البداية مبشر بالملك وبالنصر المرهون بخطيئة الإبتلاء(مسألة الشرب من النهر) وهي سابقة تبرر فرضيا التعويل على قتلى كثر، هم في الحالة هذه، الذين عبوا من النهر، ومن جهة أخرى كان التبشير المطمئن ذاك، دفع الناس في جيش طالوت إلى الإستهتار بحكمة الله في النهر كما دفعهم أيضا إلى الإستخفاف بملك القبط جالوت، كما الإستخفاف بقائدهم المبشر بالملك طالوت، ولعل استحواذ داوود على الملك بعد الواقعة هوما يفسر سذاجة طالوت على نقيض ماوصف به في النص من كونه اختاره الله لقوة بدنه وقوة عقله (علمه) وإلا كان ماحصل قد وقع بمشيئة المكر الإلهي.
عمليا لم يكن طالوت قائدا بالمعنى العسكري بل كان مأمورا من خلال الوحي ينفذ وصاياه لاستخلاص أحكامه وعليه فإذا كانت تلك الأوامر ساذجة كما تبين فإن العامل الحاسم في المعركة، ليس فعل الجيش، بل هو هو فعل الله، وكان كل ما ساقته الآية خواء، وعبث من حيث لم يكن ثمة مايدعو إلى هذه العملية من التمثيل.
يتحدث الرواة عن دور داوود في هذه المعركة بما له من خوارق، حيث قتل الميمنة بحجر والميسرة بآخر و جالوت بثالث وهي قصة، على سذاجتها، تبدو كما لو الهمت الكاتب الإسباني سربانتيس في روايتع العجيبة دونكيشوت عندما خرج ليبارز قطيعين من الغنم اعتبرهما جيشين في معركة حيث انهال على الأغنام ليخرج عليه الرعاة وينالوه ضربا كاد يهلكه.
استند بعض المفسرين إلى التجربة الوضعية في استخلاص الإنهيار والإجهاد الذي يحدثه الماء في العطشان حين يرتوي المرء بعد عطش شاحف كمبدإ تفسير للحكمة الإلهية فيما يخص خطيئة الإبتلاء بماء النهر لكن لا يتذكر مثلا مثل هذا القطيع من المفسرين والرواة، وعلى نقيض خطيئة الإبتلاء مافعله الماء في غزوة بدر، حيث عمد جيش محمد إلى تدمير ابار بدر ومنع الأعداء من قريش من الإستفادة من الشرب منها، بعد أن استفاد هو منها، لا شك أن النصوص التي تحدثت عن الغزوة غزيرة بما لا يدع مجالا للشك كما أنها نصوص تناولت أهمية منع المشركين من الماء بدء من أسر السقات واستنطاقهم وانتهاء بتدمير الأبار قبل بدء المعركة، وهنا بالتأكيد سيقول قائل بأن الظروف المحيطة بكل معركة مختلفة بما لا يدع مجالا للمقارنة، وهنا قد نتفق إلا في مجال الإبتلاء بالماء، لأن حكمة الخطيئة هنا في الواقعتين أخذت بازدواجية المعايير من قبل الله، أما الظروف المتحكمة في المعركة فهي متناقضة في المعركتين، في الطالوتية جيش المومنين متهور ومستخف بقيادته ومبتلى بخطيئة الشرب، وفي غزوة بدر قيادة صارمة خبيرة بشأن الحرب، بدء من عملية الإسترصاد والتحكم في الموقع وتصخير الوقائع الأرضية لكسب المعركة، بالمقابل في المعركة الطالوتية جيش طالوت جاهز عدة وعددا، أما جيش المشركين في غزوة بدر كان مستخفا بالمعركة بدليل الرواة أنفسهم الذين نقلوا عنهم أنهم كانوا يقارعون الخمرة ليلة أن تصبح المعركة، بعبارة، إن الفرق بين الواقعتين، هو هو الفرق بين واقعية غزوة بدر وخرافية غزوة طالوت التي انتصرت فيها أقلية قليلة ليفسح الإعتقاد السافه بأن الله يتدخل في النزاعات وينصر المومنين به، وهي الحقيقة الغيبية التي يعتمدها الفوضويون الإرهابيون، حيث الفرد فيهم، بما يتسلمه كحقيقة مطلقة، من كون الله معهم في جهادهم، يتجرعونها دون تفكير مستندين على وقائع تلقفوها في الحرب الأفغانية الروسية من كون الجنود الروس في تلك المعارك كان يطمس الله بصائرهم حين يمرون بهم دون استكشافهم، إن وجود مثل هذه الهفوات في المعارك كان امرا ساريا حتى في حروب الثوار في أمريكا اللاتينية، كما كان شائعا أيضا عند أولئك الذين شاركوا في الحربين الأولى والثانية وفي حروب الهند الصينية بالشكل الذي لا يعني أن قوة خارقة أعمت الأعداء (تحضرني هنا أسطورة المقاوم المغربي أومدا من جيش التحرير في صراعه مع الجيش النظامي المغربي بجبال الأطلس المتوسط، حيث كان إتقانه لعملية التخفي مثيرة للجدل بين الناس حيث حاكوا عنه أنه يملك سحرا يطمس به أعين الجنود أو أنه في وقائع معينة، خرج من ميدان المداهمة في صفة كلب أو قط أو ما إلى ذلك، بينما الذين كانوا يعرفونه حق المعرفة يعرفون فيه قدرته المبدعة في التخفي وأن السر في عدم القبض عليه تكمن في تغيير أماكن اختفائه بشكل مستمر)
إن هذه العملية من التخفي المتقن من جانب مجاهدي أفغانستان، قدغسلت على مايبدو أدمغة الضفادع الإرهابية، بحيث باتوا ينفذون عمليات الجبن والغدر في حق المدنيين العزل متخيلين أنهم بذلك ينتصرون على الولايات المتحدة الإمبريالية، إن أغلب العمليات المنفذة من طرفهم حتى الآن تمت في المواقع العمومية و المدنية وضحاياها المدنيين أكثر بكثير من الضحايا العسكريين.
خلاصة ، عندما يتدخل الله في حسم المعارك لا يبقى للصراع طابعه التاريخي بل ينتفي ويتحول إلى طابعه اللاهوتي العبثي لذلك طبيعي أن يكون الجهاد على طريقة الضفادع المقنبلة جهادا همجيا لا تراعى فيه أية روادع أخلاقية بل هو جهادا مدفوعا بأنانيته في الفوز بالثواب الموعود
في مفهوم السكينة
يعرف الإسلاميون السكينة التي كانت على أنها ريح طيبة بوجه ملائكي، ويقول النص أن آية ملك طالوت أن تأتيه الملائكة بتابوت موسى محملا بألواح موسى و هارون. يعرف العقلاء السكينة بأنها العيش في السلم والسلام والطمأنينة، فطبيعي أن القوم حين يصل إلى السلطة السياسية، سيعملون على خلق كل أسباب السعادة والعيش الرغد والسكينة لهم وهو ماتعمله الأحزاب السياسية و الطبقات الإجتماعية والعصبيات القبلية قبلهم وطبيعي أن ييعمل ملك القوم في سبيل سعادة وطمأنينة قومه من تسخير كل الإمكانيات المتاحة بما فيها استغلال الآخرين لخدمتهم وهي، حسب ابن خلدون طبيعة البشر في عصبيتهم وتغلبات بعضهم على بعض وحسب ماركس أيضا هي طبيعة الطبقة في خدمة مصالحها، أما الريح الطيبة التي جاءت في تفسير المفسرين فليست في نظري سوى التعبير الرومانسي للعيش في جلال السلطة السياسية.
ملاحظات:
ـ لم اذكر أي مرجع تفسيري لأنه في نظري لم يعتمد وقائع تاريخية لتفسير الآية، بل إن أغلب المفسرين اعتمدوا مبدأ النقل في تفسير المفسر
ـ إن أغلب المفسرين بما فيهم الطبري اعتمد الإسرائيليات في نقله أخبار طالوت وهو مآعتمده النص القرآني نفسه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق