في الليلة الظلماء يفتقد البدر (ابو فراس الحمداني )
يحتجب فيها امتداد الأفق وتستوي فيها المداشر وحافات الهبوط، تنجرف فيها الخطى إلى ماتحت التحت،سليل هذه القاعات كنت، يتسمر في وجهي جدار العبور، وكانت قرارتي أن أكون قداس هذا التشريد السامق، أنيس الليالي العوانس وصديق الحافات الخالية، تسكنني قناطر العبور وأقطنها، أمسح خطايا النائمين في قتامة الوقت أو الهاربين من ظهيرة الفواجع، أمسح جراح وطن متروك لسبيل الله، يتآكل تماما كفتيل القنابل.
أنا قربان هذه الأزمنة الغابرة
راحل بالثلاث، من الرحيل إلى الرحيل، خاوي الوفاظ, يهديني الفراغ إلى الفراغ، ينهكني البطء في الطريق فتتثاقل خطواتي الذابلة، تحرقني خشخشة الأعشاب اليابسة، تلفني... يرميني المنحدر للمنحدر، متصكعا كالعمود الضوئي ينير قشلة الظلمة، مثقلا بحمولة يدي، وقود هذه الرحلة الكئيبة يحطم كتفاي المنهكان.
قيل لي: هذا زاد الرحيل فصنه
قال آخر: هذا انكساري في هذا الهبوط اللامتناهي يحطم لملمة العظام ويسرق طاقتي.
قال آخر: أنا قاع هذا الهبوط الكاسح، لم يبق لي غيرهذه المساحات أخطوها، لم يبق لي غير هذا الصعود.
قلت هذي يدي الحبلى باللآت العجاف، تحمل زاد الطاعة إلى هناك، إلى قلعة الأفق حيث يحترق الغروب.
أغلقت نوافذي، وبدأت الخطوة سائرا كالتيه، كالصليب إلى متواه الأخير، منحطا كالنعل اليابس، لارفيق يملأ فراغي ولا أنيس يدغدغ قوافل العشق في قواديسي.
ماتت في دواخلي قبيلة العواطف.
حصير أزرق يفصلني عن طواحين الهواء، وهذه الذكرى تصعدني كلما نظرت إلى وجه هذا الإمتداد: الراعي ذي الأحزمة السبعة، البقرة الضاحكة، الفارعة كالتي بايعها الأنبياء، والمرأة الشقراء ذات الإمتلاء، تضع فوق نهديها صكوك الغفران، حنين يشدني إلى طفولة متشدقة بالوجود، إلى خرائط أوربا الخضراء، إلى حليب السلام في قارة الجياع
أهذا أنت أيها الأفق المتبخر?
سليل نزوة عابرة تاهت في ظلمة الليل لتصادف وهج الكينونة (ليس الدخول كما الخروج كما يقال) ، أنا حطام هذه الصدف اللعينة، يرميني الضياع للضياع.
من البر إلى البحر إلى البر.
سجين ملحمة العبور، تتقاذفه الأهوال من وطن يزداد انحطاطا كل يوم، ومن وطن أعيش فيه مكرها، يرميني بكل قوافل التخلف:
no hay moros en la costa (لامغاربة في الساحل).
أنكمش في ذاتي كالهارب من صهوة الفرس، أقارع كميث اللون صافية كي لاتحركني الفواجع، منعزلا في زاوية من باحة الحانة ، منحطا كالتين اليابس أنفث دخان السجائر كقطار زائغ يتراوى خلف الهزيمة.
أن تكون في الساحل أو لا تكون، أنا شهيد هذه المزبلة من الحروب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق